د.محمد عثمان عوض الله
أدلى مستشار بن زايد، السيد عبد الخالق عبد الله بتصريحات غاية في الخطورة اعترف فيها بعدائهم للجيش السوداني و بدعمهم لمليشيا الدعم السريع، و اوضح السبب في ذلك، فقال الآتي: ( جميع القوى المدنية السودانية التي يُعتَد بها أيضاً ترفض التعامل مع الجيش وتلوم الجيش لأنه هو الذي لا يود التهدئة وتقف مع قوات الدعم السريع ).
نأخذ من إعترافات مستشار بن زايد ثلاث نقاط مهمة. أولا حدد موقف بلاده من الحرب في السودان، ثانيا برر ذلك الموقف، ثالثا صنف الشعب السوداني و مؤسسات الدولة السودانية وقسمها الى فئتين يعتد باحداها ولا يعتد بالأخرى. نتناول في هذا المقال هذه النقاط الثلاثة بشيء من التوضيح و الدلالات.
أولا حدد المستشار موقف بلاده بوضوح شديد، واعترف بأن دولة الأمارات تدين الجيش ولا تريد التعامل معه، و تقف مع الدعم السريع و تريد التعامل معه و تؤيده وتدعمه. الجديد في هذه التصريحات، أن الحكومة الأماراتية قدمت بنفسها، وعلى لسان مستشار رئيسها، دليلا حددت فيه موقفها بوضوح، واعترفت على نفسها بالذي كانت تنكره سابقا حينما تتهمها به الحكومة السودانية و استندت عليه في تقديم شكواها ضد الأمارات في مجلس الامن الدولي. وبالتالي فإن هذا الإقرار/الاعتراف يشكل أقوى الأدلة، التي يمكن أن تستخدمها الحكومة السودانية وتوثق بها التدخل الأماراتي و تقوى بها بالاضافة الى الأدلة السابقة، شكواها ضد الأمارات. بهذا الموقف فإن الأمارات تعترف رسميا بأنها لا تتعامل مع حكومة السودان ولا مع مؤسساتها الرسمية، وانما تتعامل مع مليشيا موازية للجيش، تمردت على الدولة، وتشن حربا على الدولة وعلى المجتمع و ترتكب كل أنواع الجرائم و أبشعها باعتراف العالم أجمع. و الغريب أن هذا الاعتراف جاء بعد التوبيخ الأمريكي للأمارات و بعد تعهدها للحكومة الأمريكية بانها توقفت عن دعم المليشيا وانها لن تدعما مرة أخرى. و أن تصريح المسؤول هذا يعتبر دليلا حتى على نكوصها عن تعهداتها القريبة جدا، للحكومة الأمريكية. هذا الاعتراف الأماراتي يعتبر دليلا ماديا ضد مواثيق الامم المتحدة و جامعة الدول العربية و منظمة الدول الاسلامية التي حددت أن يكون التعامل مع الدول عبر مؤسساتها الرسمية القائمة. الغريب أن الأمارات نفسها تعترف بشرعية الحكومة السودانية وتبادلها السفارات و الشكاوى في مجلس الامن. ان ذلك التناقض لأكبر دليل إدانة. يمكن للسودان أن يقدم هذا التصريح لكل هذه المؤسسات، باعتباره تعدى صارخ على السيادة و اعتراف واضح على مساعدة المليشيا في ارتكاب جرائمها وبالتالي تتحمل الأمارات المسؤولية.
أما النقطة المهمة الثانية في تصريحات المسؤول الأماراتي هو تأكيده على أن دولة الأمارات استندت في موقفها الرافض للتعامل مع الجيش، و الداعم للمليشيا، على موقف قوى مدنية محددة. صنفتها بأنها القوى التي تعتد بها دولة الأمارات. بالتأكيد أن هذه القوى هي قحت/ تقدم. لأنها تتبنى ذات الموقف من اتهام الجيش و تأييد المليشيا، ورفض التعامل مع الحكومة أي نزع الشرعية عنها. بل ماتزال قيادات قحت تستنكر اتهامات الحكومة السودانية لدولة الأمارات، و تعتبرها خروج عن العرف الديبلوماسي وانها ضارة بمستقبل العلاقات بين البلدين و الشعبين. بل وكانت تحاول مرارا وتكرارا، أن تنفي عن الامارات، ما اعترفت به الأمارات الان على نفسها من دعمها للمليشيا. وأحيانا كانت تبرره باعتبار أن من حق الدول السعي الى تحقيق مصالحها في الدول الأخرى. ماتزال قيادات قحت تقيم في دولة الأمارات بأُسرها و تصرف عليها دولة الأمارات وتتلقى منها أموالا لتقيم مناشطها وندواتها و تذاكر الطائرات و اقامات الفنادق. بل درج وزير الدولة بالخارجية الأماراتي، شخبوط، على اصطحاب قيادات قحت معه في ذات الطائرة التي يتنقل بها بين الدول الافريقية، كأعضاء معه في ذات الوفد الذي يترأسه. اذا مرة أخرى فإن دولة الأمارات تترك مؤسسات الدولة السودانية الرسمية و تعتمد في تعاملها مع الشأن السوداني على فصيل سياسي محدد هو تقدم، كما تفعل مع المليشيا، تواليه وتعادي مؤسسات الدولة و الفصائل السياسية الأخرى. هذا الموقف أولا يدين قحت و يؤكد عمالتها لدولة الأمارات. و يدين الأمارات باعتبار أنها تؤيد فصيل سياسي سوداني ضد فصائل سودانية أخرى. كما ويدينها باعتبار أنها تعادي مؤسسات الدولة الرسمية عكس المواثيق والاعراف الدولية.
النقطة الثالثة و الأخيرة من تصريحات المسؤول الأماراتي أنه تعدى مباشرة على الشعب السوداني. وتدخل مباشر من دولة الأمارات في الشؤون الداخلية لدرجة أنها تصنف الشعب السوداني وتقيمه، بين فئتين. قسم صاحب حظوة و قيمة ومكانة تعتد به وتعترف به وتقربه وتدعمه و تتبنى موافقه ، و بين قسم آخر تافه، حقير، لاقيمة له عندها تحتقره و تسلح المليشيا ليقتله وتستجلب المرتزقة كي تنهبه وتنتهك كل حرماته. الأمارات لا تحصر عدائها مع الحكومة السودانية وانما توجه اساءات مباشرة ل (ملايين المؤيدين للجيش، ملايين النازخين من احيائهم ومدنهم الى مناطق سيطرة الجيش، القبائل، و تنسيقيات القبائل، الجاليات السودانية في كل دول العالم التي تخرج يوميا ترفع شعار جيش واحد شعب واحد، مئات الالاف من المستنفرين، عشرات الأحزاب السياسية، عشرات الحركات المسلحة، أساتذة الجامعات والتعليم العام، وطلابها وطلاب المدارس الذين انتظموا في امتحانات الشهادة السودانية … الخ)، كل هؤلاء في نظر الحكومة الأماراتية تافهين حقيرين بلا قيمة، لذا لا تأبه لهم.
أخيرا، هاهي دولة الأمارات وبالتزامن مع المبادرة التركية، هاهي تنقض تعهداتها للحكومة الأمريكية، وهاهي تعترف بدعم المليشيا و وقفتها معها، وهاهي تكيل الاتهامات للجيش السوداني، وهاهي تحدد عملائها و تقربهم اليها، وهاهي تصنف الشعب السوداني وتوجه اساءات بالغة الحدة و القسوة لكل من يقف مع الجيش بأنهم لا قيمة لهم ولا يؤبه لهم.