تقرير – أمير عبدالماجد
خلال اليومين الماضيين ظهرت فيديوهات لسيارات عسكرية وناقلات جنود ودبابات فرنسية في شوارع إنجمينا أثارت الذعر في المدينة التي لم تستفق بعد من الانفجارات المدوية التي أحالت ليلها إلى نهار جراء القذائف التي تساقطت على منازل الناس بعد انفجار مخازن للذخيرة بالقرب من المطار والقاعدة الفرنسية، لذا أثارت قوافل السيارات العسكرية انتباهة الناس، وظهر في أحد مقاطع الفيديو أحدهم وهو يطلب من الرئيس إبعاد هؤلاء (الخبثاء) ويقصد الفرنسيين من البلاد، ويسأل لماذا نستقبلهم بعد أن طردتهم كل أفريقيا.
وجود عسكري
وكانت الناقلات قد اتجهت مباشرة عبر إنجمينا إلى مدينة أبشي شرق البلاد على الحدود مع السودان لأسباب غير معلومة بعد أن كانت وجهتها مطار إنجمينا، وكانت فرنسا أعلنت أن قواتها المطرودة من النيجر ستدخل دولة تشاد وتتجمع هناك في المطار تمهيداً للمغادرة وشحن آلياتها، لكن هذا على الأرض ليس حقيقياً لأن القوات شقت طريقها من النيجر ودخلت العاصمة إنجمينا قبل أن تتجه إلى مدينة أبشي على الحدود السودانية التشادية، وكانت العلاقات بين باريس ونيامي قد توترت بعد الإطاحة بوكيل فرنسا في النيجر الرئيس محمد بازوم الذي تربطه بقائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو صلة رحم، ويشهد الوجود العسكري الفرنسي تراجعاً في منطقة الساحل منذ سنة 2020، وتبنت السلطات المنبثقة عن انقلاب النيجر مواقف مناهضة لفرنسا، وكانت سبباً في سحب باريس سفيرها من العاصمة النيجرية.
تأمين ممر
وأعلنت فرنسا الخميس الماضي أن طلائع جنودها الذين غادروا النيجر وصلت إلى عاصمة تشاد إنجمينا، وأوضح المتحدث باسم الأركان العامة الفرنسية الكولونيل بيار جوديير لوكالة الأنباء الفرنسية أن هذه القافلة غادرت النيجر بالتنسيق مع القوات النيجرية ووصلت دون أي حادث يذكر إلى إنجمينا بعد عشرة أيام من السفر، وأضاف أنه سيتم تنظيم رحلات جوية من تشاد إلى فرنسا في الأيام المقبلة. وبعد طرده من النيجر اضطر الجيش الفرنسي إلى نقل معداته براً إلى تشاد ثم الكاميرون قبل إعادتها إلى فرنسا في رحلة تمتد ثلاثة آلاف كيلومترات يمر خلالها في مناطق معادية تضم جماعات مقاتلة معادية وتتمركز في إنجمينا قيادة العمليات الفرنسية في منطقة الساحل بنحو ألف جندي فرنسي، وأفاد العقيد بالجيش الفرنسي جوديير بأنه تم إفراغ نصف مواقع القواعد الأمامية في ولام وأيورو “شمال غرب النيجر” في ما يسمى منطقة الحدود الثلاث مع بوركينا فاسو ومالي، وأكدت إنجمينا في بيان الموافقة على تأمين ممر من أراضيها لعودة القوات الفرنسية إلى فرنسا، وقال بيان لرئيس الأركان التشادي الجنرال أبكر عبد الكريم داؤود إن القوات التشادية ستؤمن الحراسة لهذه القوافل من الحدود النيجرية إلى انجامينا وصولاً إلى المطار، ورفض وزير الاتصال والمتحدث باسم الحكومة التشادية الرد على تساؤلات الصحافة حول وصول القوات الفرنسية، ولم يتمكن مراسلو الوكالات والصحف من الاقتراب من القاعدة الفرنسية في إنجمينا بسبب حواجز أقامها الجيش التشادي منذ فترة طويلة، ورافق الجيش التشادي بسيارات دفع رباعي تحرك هذه الناقلات إلى أبشي خوفاً من تظاهرات أو اعتراضات من السكان المحليين، ورغم المعلن من فرنسا والحكومة التشادية فإن بعض المراقبين للشأن التشادي يخشون أن تكون حركة القوات نحو الشرق مرتبطة بما يحدث في السودان، وهو أمر من شأنه أن يجر المنطقة كلها إلى حرب شاملة.
مواجهة عالمية
لكن الكاتب الصحفي التشادي محمد النور رابح نفى من خلال صفحته على “فيس بوك” أن تكون للتحركات العسكرية الفرنسية أي علاقة بالسودان أو التدخل هناك لأن خطوة كهذه من شأنها أن تجر البلاد إلى مواجهة عالمية لا تحتملها تشاد ولا المنطقة، إذ من المتوقع لو تدخلت فرنسا مباشرة وانخرطت وحدها في أي خطوة متهورة أن تتدخل روسيا وندخل جميعاً في دوامة لن نخرج منها، وأضاف “البعض يتسرع ويطلق الشائعات للأضرار بالعلاقات السودانية التشادية المتضررة أصلاً بسبب مايحدث في السودان ولا تحتاج إلى المزيد من النيران لا علاقة لتحركات القوات الفرنسية بالسودان ولا علاقة للقاء للرئيس ديبي بالرئيس الفرنسي في الأليزيه أي علاقة بالحرب في السودان ولا بالنيجر”.
ثقة مفقودة
لكن الباحث السياسي والأستاذ بجامعة السودان محمد جمال الدين الفكي يرى أن الأمر حمال أوجه لأن الثقة مفقودة حالياً بين السودان وتشاد وفرنسا ولأن الحكومة السودانية استدعت سفيرها من إنجمينا هذا الأسبوع بالتزامن مع هذا الحراك العسكري الفرنسي على الحدود السودانية، وأضاف “لاشك أن الحكومة السودانية لديها معلومات حول ما يحدث وإلا لما استدعت سفيرها وأثارت موضوع ضبط الحدود مع تشاد الآن رغم علمها وعلمنا أن هذه الحدود لم تكن منضبطة يوماً وظلت على الدوام البوابة التي تأتي عبرها المصائب لذا لا استبعد أصلاً أن تكون هناك أمور خلف حدود السودان مع تشاد يتم الترتيب لها لأنه لا معنى لان تتجه قوات منسحبة من النيجر وتريد العودة إلى فرنسا لا معنى لاتجاهها إلى أبشي لأنها في حال أرادت المغادرة ستغادر أما من مطار إنجمينا أو من مطار دوالا في الكاميرون”، وتابع “إجمالاً لا أعتقد أن فرنسا تستطيع أن تلعب دوراً ما عسكرياً على الأقل في المنطقة لأن هذا سيدخلها ويدخل الدولة المستضيفة ويدخل المنطقة كلها في دوامة من الفوضي والجيوش والمليشيات والحركات الجهادية لن تنتهي”.