أبوبكر محمد أحمد إبراهيم
للإجابة عن هذا السؤال، اخترت لكم من مقدمة العلامة عبد الرحمن بن خلدون مقتطفات من الفصل العشرين، وعنوانه: في أن من علامات الملك التنافس في الخلال الحميدة وبالعكس
يقول ابن خلدون:
… وقد ذكرنا أنّ المجد له أصل يبنى عليه وتتحقّق به حقيقته وهو العصبيّة والعشير وفرع يتمّم وجوده ويكمله وهو الخلال وإذا كان الملك غاية للعصبيّة فهو غاية لفروعها ومتمّماتها وهي الخلال لأنّ وجوده دون متمّماته كوجود شخص مقطوع الأعضاء أو ظهوره عريانا بين النّاس وإذا كان وجود العصبيّة فقط من غير انتحال الخلال الحميدة نقصاً في أهل البيوت والأحساب فما ظنّك بأهل الملك الّذي هو غاية لكلّ مجد ونهاية لكلّ حسب.
..
فإذا نظرنا في أهل العصبيّة ومن حصل لهم من الغلب على كثير من النّواحي والأمم فوجدناهم يتنافسون في الخير وخلاله من الكرم والعفو عن الزّلّات والاحتمال من غير القادر والقرى للضّيوف وحمل الكلّ وكسب المعدم والصّبر على المكاره والوفاء بالعهد وبذل الأموال في صون الأعراض وتعظيم الشّريعة وإجلال العلماء الحاملين لها والوقوف عند ما يحدّدونه لهم من فعل أو ترك وحسن الظّنّ بهم واعتقاد أهل الدّين والتّبرّك بهم ورغبة الدّعاء منهم والحياء من الأكابر والمشايخ وتوقيرهم وإجلالهم والانقياد إلى الحقّ مع الدّاعي إليه وإنصاف المستضعفين من أنفسهم والتّبذّل في أحوالهم والانقياد للحقّ والتّواضع للمسكين واستماع شكوى المستغيثين والتّديّن بالشّرائع والعبادات والقيام عليها وعلى أسبابها والتجافي عن الغدر والمكر والخديعة ونقض العهد وأمثال ذلك علمنا أنّ هذه خلق السّياسة قد حصلت لديهم واستحقّوا بها أن يكونوا ساسة لمن تحت أيديهم أو على العموم وأنّه خير ساقه الله تعالى إليهم.
..
وبالعكس من ذلك إذا تأذّن الله بانقراض الملك من أمّة حملهم على ارتكاب المذمومات وانتحال الرّذائل وسلوك طرقها فتفقد الفضائل السّياسيّة منهم جملة ولا تزال في انتقاص إلى أن يخرج الملك من أيديهم ويتبدّل به سواهم ليكون نعيا عليهم في سلب ما كان الله قد أتاهم من الملك وجعل في أيديهم من الخير «وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً 17: 16»
فتأمل!
تنويه: الصور المرفقة مثبتة على هذه الصفحة بحسب التواريخ المذكورة عليها، وهي تحكي عن جانب بسيط من إذلال الدعم السريع، وشركاؤه، للمواطنين، وعن طبع في سلوك الغدر لم تسع السلطات العسكرية ولا المدنية للتصدي له؛ فما نشهده هو نتيجة طبيعية لخطل وغباء من راهن على الدعم السريع للحماية أو سلماً للسلطة.