انتبهوا أيها العقلاء واعرفوا عدوكم (1)

بروفيسور أحمد مجذوب أحمد

لابد للشعب السوداني أن يعرف صاحب المصلحة الأساسية والحقيقية فى إشعال هذه الحرب وأهدافه منها ، ومن ثم يتعرف على مَن مولها ودعمها إعلاميا وسياسيا ومن تولى قيادتها، خاصة وانهم قد شاهدوا الجنود الذين أدخلوا إلى محرقتها.

إن معرفة صاحب المصلحة الحقيقي تبين مَن هو عدو السودان ،وتساعد فى إعداد خطة مواجهته العسكرية والسياسية والاعلامية والاجتماعية ، وإفشال مخططه لما بعد الحرب، وقل إن شئت سحقه وسحق عملائه الذين تولوا التنفيذ.

إن التخطيط لهذه الحرب ليس جديداً للمتابع السياسي الحصيف ،فقد تنوعت أشكالها وأدواتها ، عسكرية واقتصادية وسياسية، خلال العقود الماضية.

حرص العدو على اتخاذ تكتيكات مرحلية للتأثير على كثير من المراقبين والمشاهدين بصناعة أهداف للحرب هى ليست من أهدافها الحقيقية ، لتكون مبررا لكافة أنواع المشاركة فيها ، ففى بداية عهده تحدث عن أنه ما جاء إلا لعمارة هذه الدول وسمى نفسه المستعمر ، ثم أدخل مصطلح دعم المظلومين الذين ضاعت حقوقهم ، بالرغم من أنه أسس لهذا الظلم بقانون المناطق المقفولة، فحرمهم من الخدمات ثم استخدمهم لتنفيذ أجندته ، ثم روج لمصطلح الهامش لفترة من الزمان، فأسس له الحركات المسلحة وحشد له المناصرين ، وساند كل هذه المخططات بمجموعات العملاء الذين أدوا وظيفتهم بثمن بخس باعوا به الوطن.

بعض الصادقين انطلت عليهم الحيلة وصدق أن هناك ظلماً وتهميشا مقصودين، فتحمس للقضية . وهنا جاء دور القادة العملاء الذين يحسنون استخدام الغوغاء لتحقيق الأهداف ، فنصبوا لهم منصات الإعلام ومولوا لهم الأسفار ونظموا لهم الورش والمؤتمرات، وفتحوا لهم أبواب المنظمات العالمية والسفارات ليقوموا بتمثيل الدور المرسوم لهم ، وأقنعوا آخرين بأن قبيلة ما هى تسيطر على مفاصل الحكم وأن مجموعات عرقية معينة هى التى تقود البلد ، ولاستكمال هذا الهدف استخدموا الآلة الاعلامية التى حشدت الشعارات وروجت للأوهام وبشرت بالنصر.

هكذا تأثر كثيرون بهذه الحملات و استغفلوا ثم استدرجوا ، واقتنعوا بأن لهم عدوا داخليا يجب محاربته! حيث صدقوا هذا الافتراء وآمنوا بهذه الدعوة ، و بدأت حملة التضليل بذات المجموعات المقاتلة، فصنع لها أعداء ورسخ فى ذهنها ان قتالهم حق وواجب ، واستطاع أصحاب المصلحة عبر العملاء أن يجعلوا من قتال العدو المتوهم هدفا ، يحتشد بعض عوام الناس من أجله . فلم يعد العدو الآن يقاتل مباشرة وإنما يستخدم هذه المجموعات المستغلة أداة ووقوداً فى هذه المحرقة.

إن معرفة العدو الحقيقي هي المعين، فى التعرف على أهدافه وأساليبه وعملائه، وهذه معرفة تساعد فى استخدام الأسلحة والأدوات المناسبة للمعركة كما أنها تساعد كذلك على مواجهة جذور القضية لا قشورها ، ومعلوم أن تحديد الأهداف هو أول مقومات النجاح فى أي معركة.

هذه الحرب ليست قبلية ، بين قبيلتي الزريقات والمسيرية من جهة والشعب السودانى من جهة أخرى ،كما أنها ليست حرباً بين قبائل الغرب وقبائل الشمال.

شاع هدا الفهم الخاطئ بسبب أن أصحاب المصلحة من هذه الحرب حاولوا إلباسها الثوب القبلي، باختيار منفذها وقائدها ودفعه للاستنصار ببعض المنخدعين وأصحاب الأغراض من قبيلته ،ليكونوا النواة المقاتلة ، فهل من المصلحة الانسياق بأكذوبة وسم هذه الحرب بأنها قبلية ؟ لا بد أن ندرك أن أهداف مَن أشعل الحرب ودعمها وساندها هي أن يحول المعركة إلى حرب قبلية، تستمر وتتمدد حتى يتسنى له تحقيق هدفه من إضعاف الدولة وكسر شوكتها ومن ثم تقسيم السودان ليكون لقمة سائقة.

هل يعنى مشاركة بعض عرب الشتات من دول غرب ووسط أفريقيا فى المعركة أن الحرب حرب بين إثنيات؟ تسعى لإعادة أمجاد مفقودة وسلطان زائل لها ، لو كان مَن حشد هذه المجموعات صادقاً فى دعواه ، لبدأ بإنصافها وإعطائها حقوقها فى دولها التى استُنفرت منها.

الواقع يؤكد أن هذه المجموعات استدرجت واستغلت وأدخلت المصيدة لتكون آلة فى يد العدو الحقيقي الذى يسعى لتمزيق السودان واستغلال موارده .

الحرب ليست بين قبائل الغرب وقبائل الشمال وإن حاول صاحب المصلحة أن يلونها بهذا اللون ،صحيح أن القوة المتمردة (الدعم السريع ) تأسست على قوات حرس الحدود التى تنتمي إلى موقع جغرافي معين وتصنيف قبلي محدد ،لكن هذا لا يجعلها حربا قبلية؛ ومشاركة هؤلاء فيها تأتي بسبب استدراجهم ليكونوا أداة لتحقيق أهداف غيرهم .

بدأت هذه الحرب منذ عقود عدة قبل استقلال السودان ، بعد أن علم المستعمر أن الشعوب قد استيقظت ولن ترضى بالذل والهوان ، فجاءت استراتيجية المستعمر أن يتلون لكل مرحلة بلونها وأن يلبس لها الثوب المناسب لها، إذاً هذه الحرب هى حرب من يريدون إعادة استعمار السودان وطمس هويته ونهب موارده واستغلال مواطنيه، هى حرب بين الكبار من أجل الحفاظ على مناطق السيطرة والنفوذ، هى حرب بين أمريكا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا ، قد تتفق بعض هذه الدول في استراتيجية مرحلية، وقد تختلف عند مرحلة جني الثمرات واستلام الغنائم ، فكل من هذه الدول تعطي اولوية لمصالحها، ودونكم التحولات التى تجري فى القارة الأفريقية الآن فى مالي والنيجر وغانا والمعارك السياسية فى تونس وليبيا وووو..

حتى تتأكدوا من بطلان دعوى القبلية، نسال أنفسنا: هل لقبيلة الزريقات قضية مع (الكيزان) وما هي ومنذ متى ؟ كما استطاع الأعداء ومَن أعانهم من العملاء إقناع عوام المتمردين من أن قضيتهم مع الكيزان ،و لا أكون كاذباً إن اقسمت بأن غالبيتهم لا يعرفون ماذا تعني هذه الكلمة وإنما يرددونها مثل الببغاوات.

إن القوى التى كانت رأس الرمح في تحقيق أهداف الاستعمار والاستلاب الحضاري الجديد، ممثلة فى الدويلة المموِلة، ومَن ينفذ أجندتها من العملاء والمأجورين ، بعد أن تأكد لها فشل مخططهم الذى نفذوه بعد أبريل 2019 ،وكذلك بعد أن وضح لها فشل جهود حارس المشروع السياسي مندوب الأمم المتحدة فولكر ، وأدوات الدعم السياسي الخارجي ممثلاً فى الرباعية والثلاثية فى تسليم السلطة لمجموعة العملاء ، وبعد أن فشل تسويق دستور اللجنة المسماة زوراً بلجنة المحامين ، وبعد أن اصطدم الاتفاق الاطاري بالرفض القاطع من الشعب السوداني ، وقواته المسلحة ، لم يكن أمام العملاء إلا السعي لمواصلة مشوارهم خاصة وأنهم قد قبضوا الثمن وزيادة.

حرص تحالف الأحزاب العميلة أن يضم قائد المتمردين (الدعم السريع سابقا) لهذا التحالف منذ فترة تجلت بعد توزيع الأدوار خلال عام 2018 وما بعده ، مستغلين فيه بعض الإحساس بالقوة والتطلع للقيادة والخوف من بعبع المجتمع الدولي ، الذي ورطوه فيه عند فض الاعتصام ،فصاروا يلوحون بهذه العصا فى وجهه كلما حاول الخروج على سلطانهم ، وعلى كل ؛ كان كل منهما، يستغفل الآخر ويمتطي ظهره ليصل به لأهدافه، ومن ورائهم جميعا: الدويلة الممولة والوكيل فى إعادة الاستعمار للسودان وتحقيق هدفها الرئيس فى ضمان أمن وسلامة الدويلة المغتصبة لأرض فلسطين (اسرائيل) التى تستخدم الجميع لتحقيق أهدافها.

كانت الخطوة الأخيرة التي تبقت لتحالف أصحاب المصالح وعملائهم ، هى القيام بانقلاب 15 أبريل 2023 ، وجهزوا له كل شيء، بياناتهم السياسية، والدول التى ستسارع للاعتراف بهم ، وتوفير الدعم المالي لهم ، وتحقيق الإسناد السياسي من ثلة عملاء الداخل .

ولثقتهم فى إحكام مخططهم، ما كانوا يتوقعون فشل انقلابهم، لأنهم كانوا يظنون أن القوات المسلحة لن تصمد أمام حشدهم البشري وعتادهم العسكري ، وما كانوا يتوقعون أن يهب الشعب السوداني لنصرة قواته فى قتالها من أجل تحرير الأرض من العملاء . بعدما تخيلوا أنهم ملكوا شبابه الذين سعوا لإفسادهم بالمخدرات، وبعض قياداته المجتمعية التى ملأوا جيوبها بمال السحت، ولكن – بتوفيق الله – خاب ظنهم وطاش سهمهم، فكان هذا التلاحم الذى أذهل كل العالم. بامتلاء معسكرات التدريب بالشباب والشيوخ ، واستجابة قدامى المحاربين لنداء القائد بتسليم أنفسهم للوحدات العسكرية ، وهكذا أرسل الجميع رسالة واضحة لكل من تسول له نفسه المساس بسيادة الوطن.

هذاه بعض معالم ومظاهر المخطط ، مما يؤكد أن هذا المخطط أكبر من نسبته لجهات جغرافية أو قبلية أو انتماءات إثنية ، وإنما هو مؤامرة توفرت لها كل عناصر النجاح ، ولكن إرادة الله غالبة ولا يجري في ملكه إلا ما أراد.

نقلا عن موقع “المحقق” الاخباري

Exit mobile version