النفط السوداني يلوّح في رحلة الوداع

ضربات متتالية تلقاها قطاع النفط السوداني خلال الفترة القليلة الماضية، آخرها قبل يومين، عقب عقود من الازدهار والانتاج، والتي أدخلت البلاد في قائمة الدول المنتجة للبترول منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي.
وتقدر الاحتياطيات النفطية للسودان بنحو 6 مليار برميل لم يستطع السودان إستخراج سوى 20% منها بسبب صعوبات مالية وإدارية.
وكان السودان يعتمد على موارده النفطية كأحد مصادر النقد الاجنبي الرئيسية لاسيما تلك المرتبطة بالمنشآت والتي تعمل على نقل وتصدير نفط دولة جنوب السودان عبر الأراضي السودانية مقابل رسوم سيادية للخدمة.
ولكن الأحداث الأخيرة والمتمثلة في سيطرة مليشيا الدعم السريع على حقل هجليج النفطي، في ولاية غرب كردفان، والذي يضم المضخة الرئيسية لنفط جنوب السودان والحقل النفطي، بالإضافة إلى إبلاغ الصين الحكومة السودانية بإنهاء تعاقدها في مربع 6 بمنطقة بليلة ، أدت هذه الأحداث مجتمعة إلى خروج السودان من قائمة الدول المنتجة للنفط.
إنهاء التعاقد

ففي السابع من شهر ديسمبر الجاري أبلغت شركة CNPC التابعة إلى دولة الصين، عبر شركتها الفرعية “بترو إنرجي” وزارة الطاقة والتعدين السودانية بأنها مضطرة لطلب اجتماع عاجل في جوبا خلال ديسمبر 2025 لمناقشة الإنهاء المبكر لعملها في مجال النفط في السودان.
وبررت الشركة الصينية قرار ايقاف عملها بالسودان بالتدهور المستمر لبئية أمن الحقل بعد العديد من أعمال التخريب، والسرقة وانهيار سلاسل التوريد خلال الصراع، مما جعل قطع الغيار والمعدات الأساسية غير متاحة.
وكشفت شركة البترول الوطنية الصينية عن جهود كبيرة بذلتها لاستئناف الإنتاج، بعد الهجوم على مطار بليلة في أكتوبر 2023 بما في ذلك إنشاء آلية أمنية جديدة، وتوفير طرق إمداد بديلة للمواد الأساسية، وإعادة نشر الموظفين إلى الحقل الشرقي، موضحة أن هذه المساعي لم تؤت ثمارها ولم تعد هناك قدرة على استئناف إنتاج مربع 6 في ظل عدم توقف النزاعات المسلحة.
وقالت الشركة الصينية أنه “ومع انعدام الإيرادات والنفقات فقط، فإن الوضع الحالي غير مستدام ماليًا ولا يمكن استمراره في ضوء السياسات الداخلية
لشركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) للاستثمار الخارجي.
وأعربت الشركة عن أملها بأن لايتجاوز مواعيد اجتماعها مع الجانب السوداني نهاية الشهر الجاري 31 ديسمبر 2025
وتأسفت الشركة على أن قرار الإنهاء المبكر لاتفاقية تقاسم الإنتاج واتفاقية تقاسم الإنتاج هو اقتراح لا مفر منه في ظل ظروف القوة القاهرة.
سحب موظفين وتعطل الانتاج

ولم يمض على هذا الخطاب يومان حتى صدم الشارع السوداني بسيطرة مليشيا الدعم السريع على حقل هجليج النفطي والذي يعد أكبر الحقول المنتجة بالبلاد.
وكشف موظف يعمل بحقل هجليج النفطي – فضل حجب اسمه – عن توقف الإنتاج بشكل كامل في حقل هجليج، وقال لــ”المحقق” إن الشركات العاملة في الحقل سحبت موظفيها إلى داخل دولة جنوب السودان قبل يومين من الهجوم المتوقع، وأوضح إن ايقاف الانتاج بحقل هجليج يعني توقف الانتاج النفطي بجميع ولايات السودان وخروج البلاد من قائمة الدول المنتجه للنفط.
ويقع حقل هجليج في ولاية غرب كردفان على الحدود مع دولة جنوب السودان، ويعد أكبر حقول النفط في البلاد، ويحتوي الحقل على الأنابيب الناقلة ومحطة ضح لنفط دولة جنوب السودان لتصديره عبر ميناء بشائر شرقي السودان.
ديون متراكمة

وبشأن إنهاء التعاقد من جانب الشركة الصينية يرى وزير النفط السوداني الاسبق، المهندس إسحاق بشير جماع إن المستثمر في مربع 6 هي شركة CNPC الصينية المملوكة للحكومة الصينية .
وأوضح جماع لـ”المحقق” أن مقترح إنهاء التعاقد مع السودان لم يقدم لأول مرة، بل قدمته الصين في العام 2019 بسبب ديونها المتراكمة على السودان،
وأكد على رغبة الشركة في إنهاء التعاقد في مربع 6 كانت موجودة من قبل موضحاً تقديم خطابات بهذا الشأن منذ عهد حكومة د. إيلا في مارس 2019 وتم تأجيلها في وقتها لدراسة الأمر والاجتماع بهم بمبرر أن الحكومة كانت جديدة تحتاج لبعض الوقت لدراسة المقترح.
تفاهمات جديدة

وأضاف جماع وجود إحتمال آخر بوجود تفاهمات بين الأمريكان والصينيين بخصوص استثمارات الصين في بترول السودان خاصة وأن الاكتشافات الأصلية تمت بواسطة شركة شيفرون الأمريكية وأتت الصين لتستثمر في استخراج البترول، وربما تمت تسوية خارج إطار السودان. لاسيما وأن مقترح الاجتماع في جوبا وهي دولة منحازة مع الدعم السريع ولديها مقاتلين بين صفوف الدعم السريع.
وإوضح إنه منذ انفصال الجنوب كان الانتاج من الخام يقدر بنحو 120 ألف برميل في اليوم وكان يغطي احتياجات مصفاة الجيلي والأبيض وقليل منه للمحافظة على الخط، وكشف أن الحكومة السودانية كانت تشتري نصيب الشركة الصينية من الانتاج اليومي غير أنها لم تتمكن من دفع الاستحقاقات حتى اليوم.
وأكد جماع عدم رغبة الشركات على الصرف على التشغيل مما أدى إلى تدني الإنتاج إلى 30 ألف برميل قبل الحرب قبل أن يتوقف الإنتاج بشكل كامل نتيجة التعديات خلال سنوات الحرب الماضية.
خروج مبكر

ويرى الصحفي المتخصص في شؤون النفط، عبدالوهاب جمعة، أن شركة البترول الوطنية الصينية بدأت رحلة الخروج من السودان منذ العام 2019 عقب خروجها من أهم المربعات المتمثلة في مربعات 1,2,4 بجانب خروج الشركة الهندية والماليزية عقب انتهاء عقد امتيازهم .
وأوضح جمعة لــ”المحقق” إن الامتياز الوحيد المتبقى للشركة الصينية كان بمربع 6 بمنطقة بليلة مؤكداً على أن مواعيد إنتهاء الامتياز كانت قد شارفت على الحلول، و أضاف: “كان يفترض أن يتجدد عقد الامتياز في بليلة ولكن لأن أغلب الحقول آلت للحكومة السودانية ولم يتبق للشركة الصينية سوى مربع 6”.
وقلل جمعة من أهمية تواجد الشركة الصينية بعد أن انتهت أغلب استثماراتها وآل معظمها لدولة جنوب السودان بعد الانفصال، وأشار إلى أن استثمارات الشركة الصينية تعرضت لمشاكل أمنية كبيرة خلال فترة الحرب بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع عقب الهجوم على منطقة بليلة.
وأوضح إن الدعوة للاجتماع ليس للانهاء التعاقد فحسب انما للنظر في الاتفاقية وما يتعلق بها مبينا ان للشركة نصيب من خط الانابيب الذي ينقل حقل فليج للجبلين وحتى بشائر الخاص بنفط جنوب السودان.
نقلا عن المحقق

Exit mobile version