النظام العالمى ينهار مقابلة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي مع وسائل الإعلام المحلية الاريترية بتاريخ 19 يوليو 2025، والتي تناولت القضايا الدولية والإقليمية

أولًا: حول النظام الدولي والقضايا العالمية
•إن النظام العالمي الثنائي القطب، وما تلاه من نظام أحادي القطب الذي ساد خلال الثمانين عامًا الماضية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يُعبّر عن مصالح وتطلعات البشرية نحو العدالة والسلام والشرعية والاحترام المتبادل، بل تأسس على قواعد استغلال لا أخلاقي للموارد، ومناطق النفوذ، بما كرّس هيمنة القوى العظمى. وضمن هذا الإطار الأوسع، كانت إريتريا من ضحايا هذا النظام، إذ تم قمع حقها في نيل الاستقلال في أربعينيات القرن الماضي، تحت ذرائع جيوسياسية، مما أجبرها على خوض حرب تحرير طويلة تكلّفت تضحيات لا مثيل لها.
•النظام العالمي الأحادي القطب، والذي اعتُبر غير قابل للطعن في ذروة سيطرته، يقف اليوم عند مفترق طرق حاسم أو حتى نهائي. فرغم انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، لم تُحقق سياسات الاحتواء ضد الصين وروسيا النتائج المتوقعة. إن الهيمنة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين تتراجع تدريجيًا أمام قوى صاعدة أخرى. وبهذا، فإن المسار العالمي المليء بالاضطرابات يمرّ بمرحلة انتقالية جديدة لم تتبلور ملامحها بعد بشكل كامل. في هذا السياق، يمكن للشعوب المُهمّشة في العالم، بما في ذلك إفريقيا، والتي تمتلك موارد هائلة، أن تلعب دورًا متواضعًا في رسم خارطة طريق جديدة نحو نظام عالمي عادل ومنصف.
ثانيًا: حول الوضع في إفريقيا
•يجب على إفريقيا ألا تقع في فخ “لعبة اللوم” لتبرير إخفاقاتها. بل ينبغي لها أولًا أن تتحرر من الاعتماد المُنهك على المساعدات والمنح، التي لا تختلف عن عبودية العصر الحديث. فالقارة تمتلك موارد ضخمة – تصل في بعض الحالات إلى تريليونات الدولارات – لكنها لا تزال مكبلة باقتصاد بدائي، حيث التصنيع وإضافة القيمة شبه معدومين. لا بد من تغيير هذا الواقع، وعلى إفريقيا أن تبدأ بخطوات تصنيعية تدريجية بدل تصدير المواد الخام دون معالجة.
•ومن المعضلات الأخرى، نزيف العقول، وانتشار المنظمات غير الحكومية التي تخدم مصالح الشركات متعددة الجنسيات. والأسوأ من ذلك، أن السياسات الضيقة والانقسامات العرقية تواصل تغذية الصراعات المستمرة. لذلك، تحتاج إفريقيا إلى مؤسسات سيادية فاعلة، لا تكون مجرد نسخ مقلدة من أنظمة خارجية، بل تعبّر عن خصوصيتها وواقعها. هذا مسار يجب أن يملكه ويديره الأفارقة أنفسهم، وينبغي أن يستند إلى أطر تعاون إقليمي، أو حتى قاري، لتحقيق أفضل النتائج.
ثالثًا: العلاقات الإريترية الأمريكية
•قررت إريتريا بعد الاستقلال أن “تنسى وتغفر”، وتسعى إلى سياسة بناءة وإيجابية في التعامل مع واشنطن، رغم كل المظالم التي لحقت بها طيلة خمسين عامًا. للأسف، لم تتغير السياسات العدائية الأمريكية في السنوات اللاحقة. ومع ذلك، وخصوصًا خلال الولاية الأولى للرئيس ترامب، قررنا إحياء سياسة الانخراط البنّاء، داعين الإدارة الجديدة إلى تقييم وتصحيح السياسات الخاطئة تجاه إريتريا. ورغم أن الاستجابة الأولية كانت إيجابية، إلا أن التقدم ظل محدودًا خلال السنوات الثلاث التالية.
•أما في عهد إدارة بايدن، فقد تفاقم الوضع، حيث فُرضت عقوبات غير مشروعة جديدة على إريتريا. ونحن الآن نعتزم إحياء سياسة الانخراط البنّاء مع إدارة ترامب الحالية، ليس طلبًا لامتيازات خاصة، بل كجزء من سياسة شاملة تشمل منطقة حوض النيل، القرن الإفريقي، البحر الأحمر، ومنطقة الخليج. هذا النهج الشامل أساسي، لأن الهدف هو تصحيح السياسات الخاطئة التي تضر بالمنطقة. وهذا ينطبق أيضًا على علاقتنا مع شركاء محتملين آخرين مثل روسيا، الصين، الهند، اليابان، وأمريكا اللاتينية.
رابعًا: الوضع في إثيوبيا
•وصف الرئيس الرسالة الأخيرة التي بعثت بها الحكومة الإثيوبية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والتي تتهم فيها إريتريا بإشعال النزاعات، بأنها “كاذبة وساذجة”. واعتبرها كذبة رخيصة من حزب الازدهار لتغطية استعداداته الحربية. وأشار إلى أن البلاد تعاني من أزمات وصراعات داخلية لا تُحصى، وأن الأمل والتفاؤل اللذين رافقا بدايات الحكومة الجديدة قد تلاشى تمامًا.
•كما تساءل عن سبب عدم تنفيذ اتفاق بريتوريا بحسن نية، ولماذا تم شن حرب متهورة ضد قوات “فانو”. واعتبر أن حالة الفوضى الحالية في إثيوبيا غير مسبوقة، وتساءل: لماذا يسعى حزب الازدهار إلى الحرب ضد إريتريا بدل التركيز على مشاكله الداخلية؟
•وأكد أن رؤية إريتريا كانت تقوم على بناء علاقات تعاون ثنائية قوية، إلا أن الحكومة الإثيوبية في الواقع أعلنت الحرب من خلال خطابها الاستفزازي. وزعمت حصولها على دعم ضمني من فرنسا، والولايات المتحدة، والإمارات لتنفيذ أجندتها الحربية؛ وهو أمر غير دقيق بالكامل.
•كيف يُعقل اتهام إريتريا في حين تقوم إثيوبيا بشراء الأسلحة والتلويح بالحرب يوميًا؟ هذا التوجه الخطير، الذي ينبع من يأس الحكومة الإثيوبية، يجب أن يتوقف. نحن لسنا قلقين، لكن شعوب إثيوبيا والمنطقة بأسرها يجب أن تستفيق.
خامسًا: مسألة “الوصول السيادي إلى البحر”
•هذه المزاعم تحمل أبعادًا جيوسياسية خطيرة، وهناك قوى أجنبية تقف خلف هذه المغامرة الطائشة. ويجب تذكّر أن حق إريتريا في الاستقلال حُرم في الأربعينيات بذريعة مشابهة. وقال إن حزب الازدهار اقترح سابقًا تحويل كل وارداته إلى ميناء عصب، متخليًا عن ميناء جيبوتي وما يمثله من إيرادات تُقدّر بـ4 مليارات دولار سنويًا، ولكننا رفضنا المشاركة في أي مخطط يضر بدولة مجاورة.
•أشار إلى أن المساعي الإثيوبية للحصول على ميناء وقاعدة بحرية في أرض الصومال تنضوي تحت ذات التصرفات المتهورة، وأنها ليست أجندة إثيوبية حقيقية، بل خيالات لرئيس دولة الإمارات الذي يسعى لامتلاك سلسلة موانئ على طول الإقليم.
سادسًا: الموقف الإريتري الإقليمي
•أكد الرئيس أن أولوية إريتريا هي دعم الاستقرار والأمن الإقليمي، وأن هذه القضايا تندرج ضمن سياسة الانخراط البناء مع الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وغيرها من الأطراف.
•شدد على أن إريتريا لا تسعى للحرب، لكنها خاضت حروبًا مفروضة. ولا تملك طموحات أو مطالبات إقليمية ضد جيرانها. ومع ذلك، إذا فُرضت الحرب عليها، فهي تعرف كيف تدافع عن نفسها. وأضاف أن حزب الازدهار يفاخر بامتلاكه طائرات مسيّرة وصواريخ بعيدة المدى ودبابات، ويتحدث عن موجة هجمات ضخمة ضد إريتريا. وعلّق قائلاً إن هذا أمر لا يُصدق ولا يفكر فيه سوى من يجهل التاريخ.
•رسالتنا: لا تزجوا بشعب إثيوبيا في حرب عبثية، وركزوا على مشاكلكم الحقيقية. ومع ذلك، لا يعني أننا نتجاهل التهديد، بل علينا اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
سابعًا: التكامل الإقليمي
•شدد الرئيس على أهمية التكامل الإقليمي الوظيفي. ورغم أن سجلات المنظمات الإقليمية مثل “إيغاد” وغيرها من أطر التعاون الإقليمي والقاري (RECs)، وكذلك الاتحاد الإفريقي، قد لا تكون إيجابية للغاية، إلا أن فوائد التعاون والتكامل لا يمكن إنكارها. وأشار إلى أن التدخلات الخارجية غالبًا ما تقوض هذه الجهود، ومع ذلك يجب بذل جهود حثيثة لتعزيز هذه الأهداف
Exit mobile version