د.الخضر هارون
هذا عنوان مقالة طريفة كتبتها في العام ٢٠٠٣ تفاعلاً مع مقالة في مجلة كانت تصدرها يومية واشنطن بوست كل أحد رفقة العدد الأسبوعي الذاخر بالموضوعات الثقافية والإجتماعية التي لا تجد مكانا في الأعداد اليومية المعنية بالدرجة الأولي بالأخبار والتحليلات السياسية الجارية فكأن المجلة مدخرة للشؤون الأخري غير السياسية. والمجلة التي تصدر كل أحد رفقة يومية نيويورك تايمز أدسم وأرسخ قدماً .ونوشك اليوم أن نترحم علي الصحافة الورقية فقد طال عهدنا بها بسبب سطوة ( سندوتشات) الوسائط الإلكترونية السريعة الحديثة رديئة الطعم قليلة الفائدة .تروي المقالة قصة طالبة جامعية تتحدث بسرعة فائقة. قال لها البروفسور وهو علم في علم اللسانيات : علي رسلك يا هذه لن يفهمك أحد وانت تتحدثين بهذه السرعة. قالت له : امي لاحظت ذلك أيضاً. ثم استطردت قائلة: كنت أظن أن الأغبياء وحدهم هم من يتحدثون ببطء أي أنهم يبحثون عن الكلمات ليعبروا عن أنفسهم ولكن قلت لنفسي ولكن كيف أصف هذا البروفسور العلم في علم اللغات. واستطرد المقال بالقول إن سكان مدينة نيويورك هم من يتميزون بالسرعة في الكلام ولأن العديد من شبكات التلفزة تتخذ من مدينة نيويورك مقرا لبثها المباشر فقد أصبحت تلك سمة طرائقهم في الكلام حتي اشتكي كبار السن انه لم يعد في مقدورهم متابعة الأخبار والمسلسلات!
التمست مقالتي تلك في موقعي ( مقامات .كم) لتنشيط الذاكرة لكتابة هذه الخاطرة فوجدت رسماً بلا معني إذ تداخلت حروفها بما جعل من العسير قرائتها. ذلك يستوجب عدم الركون للحفظ الرقمي وحده وضرورة الاستعانة بالورق الحبيب والذي ظل وفيا منذ زمان البردي! ومن آفات الحفظ الرقمي في عصر الذكاء الاصطناعي، سهولة السرقة، أي نعم السرقة أو الطمس المتعمد للحقائق فقد كتبت مقالة لخصت فيها محاضرة للمستشرق الألماني السفير بيرنر كانت عبر تلفزيون إفريقيا في معية البروفسور مدثر عبدالرحيم الطيب عن دراسات ظهرت في بداية هذه الألفية الثالثة تقول أن حضارة وادي النيل ازدهرت في المدي الممتد بين الخرطوم وأسوان وأن اللغات السامية والسودانية واستئناس الماشية جميعا نشأت هناك وقال تلك أصبحت قناعة أكثر من ٩٥ في المئة من الباحثين. وضعت فيديو تلك المحاضرة رفق مقالتي علي موقعي الاليكتروني المذكور وعلي صفحتي في الفيسبوك وعلي منبر الرأي في سودانايل تعميما للفائدة. وادهشني حين التمستها مؤخرا في تلك المظان جميعا لم أجدها في أي منها !!
ونعود الآن للعجلة في شنو ؟! وفصيحها ( فيم العجلة؟!)
وكنا بشقاوة الأطفال نعارض قول ذوينا بقلب المعني والقول ( إن العجلة من الحديد)! أي ليست من الشيطان !وجعل الله في الحديد قوة وبأس شديد وكانت العجلة أجل مخترعاته وبها قفزت الإنسانية وبلغت بها ما تتنعم به اليوم من سهولة العيش ويسر الترحال كما أصبحت مصدر غرور لكثير من البشر بأنهم في غني عن من أبدع وصور حتي ظنوا أنهم” قادروا عليها”! ولم نكن نعني ذلك ولا ندركه ولكنها الشقاوة لا غير وسجية التلاعب بالألفاظ لدي البعض .والذي عناه أهلنا (بالعجلة من الشيطان) هو التسرع والتسرع مجهض لبلوغ الغايات وهو شأن المنبت الذي لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقي ، أي الذي حمّل وسيلته في السفر متعجلا ما لا تطيق فأهلكها ولم يصل إلا وجهته. والعجلة مطلوبة في ضروب الخير المختلفة ودونك القول ،خير البر عاجله ! وعند المالكية في الوضوء استحباب السرعة في غسل الأعضاء بلا انقطاع بين عضو وعضو فيما اصطلح عليه بالفور مع دلك الأعضاء . ولم نكن نعرف المراد من الكلمة ( الفور )علي وجه الدقة فقد كانت في بعض المشائخ والمعلمين حدة طبع وضيق صدر فضنوا علينا بالشرح الوافي ولذا حذر بعضهم من قبول شهادة معلم الصبيان! وقيل عن بعضهم ، فلان ( أحمق من معلم صبيان) وللجاحظ في ذلك أقاصيص!
ومما يقال فيه العبارة إياها ( العجلة في شنو؟) خطاب السيد رئيس مجلس السيادة الإنتقالي والقائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول عبدالفتاح البرهان يوم التاسع من فبراير الحالي ٢٠٢٥ للميلاد ووجه العجلة فيه أن التحرير المرتجي لم يبلغ مداه وإن بدت بشاراته بفضل البذل الخرافي والتضحيات الأسطورية للقوات المسلحة والمشتركة والمستنفرين وهو قائد أولئك جميعاً ويستحق النصيب الأوفر والأوفي من الثناء الحسن والإشادة المستحقة بلا جدال. ولا نخفي إعجابنا وتقديرنا لذلك.
ووجه ما نراه من تسرع واستعجال أن محطات مهمة في مسيرة التحرير لم تزل تهدد الإنجاز الذي تحقق كحصار الفاشر وحصار الأبيض. فحصار الفاشر المستمر رغم دموع تماسيح مجلس الأمن الدولي والنداءات الخجولة التي تبدو عاجزة بل راغبة في اقتحام التمرد للمدينة ،يزداد العنت علي الناس فيها كل يوم بل حتي في معسكرات النازحين التي بلغ التباكي عليها قديما مداه .وتتحدث قوي البغي بالصوت والصورة أنه مقدمة عند سقوط المدينة لا سمح الله لهجوم يستهدف ولايات الشمالية والنهر النيل وربما استعادة الخرطوم فيما يرويه قائد المليشيا حميدتي في فيديو منسوب إليه.” الأماكن القالو حرروها دي ما كنا فيها وتاني بنرجعا !”. فك حصار الأبيض يفتح الطريق لتحرير مناطق عديدة في كردفان وغرب دار فور وتحرير الفاشر والأبيض من قبضة التمرد كفيل بالتأكيد علي وحدة التراب السوداني وتحقيق ذلك يبدد شكوك تتردد بأن صفقة ما قد عقدت لمقايضة الوسط بالغرب . فخطاب البرهان عن ( مشروع المقترح الوطني) يشئ وكأن البرهان قد نفض مناشف اليدين من غمار المعارك كما تقول الفرنجة رغم قوله بغير ذلك وأن المسرح قد تهيأ للعمل السياسي .والحق أن الأمر لم يبلغ ذلك المدي فجسور سوبا والمنشية والمنطقة غرب القيادة العامة وشرق الخرطوم القديمة شرق شارع المك نمر ومنطقة قاعة الصداقةً ومناطق نمر اتنين والفردوس لازالت تنزف الدماء. ومجئ رهط كريم من المواطنين بمشروع وطني لوقف نزيف الحرب يلزم بالضرورة استقبالهم كما فعل الرئيس وإطرائهم والتنويه بما فعلوا وحث الآخرين في الطيف السياسي بالحذو حذوهم وتقديم مرئياتهم إليه وهكذا حتي تكتمل الحلقة ويكون إكتمال الحلقات فتحال المرئيات للجنة من الخبراء لدراستها وتلخيص ما أجمعت عليه الرؤي للخلوص إلي مؤتمر جامع سمه دستوري أو ما شئت من الأسماء ليكون أرضية لتوافق وطني علي ثوابت مجمع عليها تمثل الحد الأدني من الإجماع الوطني، هكذا دون تزيد واعتبار ذلك الجهد ( مشروع المقترح الوطني ) لبنة في البناء وليس وحده الأرضية الصلبة لبناء الحياة السياسية فهناك تيارات ومجموعات عديدة لها رؤي قد تختلف مع طرح المقترح أو تتفق فكيف يصار إلي جعل هذا المقترح نهاية الأرب وقاعدة الانطلاق؟! ولا ضرورة للتعريض بأحزاب أياً كانت مؤتمر وطني أو غيره فذاك من لزوم ما لا يلزم وأدعي للفرقة في ظروف بالغة الدقة من تاريخ السودان ما دام أن الأمر قد حسم باكراً بألا مكان لحزبيين سني الانتقال في السلطة سيما وبعضهم منخرطين في معارك التحرير. لكن يبدو أن الوثيقة التي ابتدر بها عهد ما بعد البشير رغم دورها في الكوارث التي يعاني منها السودان اليوم تحمل لدي السيد الرئيس بعض البريق ووجود سادة هم موضع الاحترام ،كانوا بعض عضويتها جعل الرئيس يبدو وكأنه يروم بعض مدد من رائحة شرعية من وثيقة سابقة لها مذاق العلقم في أفواه جل السودانيين رغم أنه أكتسب شعبية حقيقية كقائد عسكري محنك من خلال انتصارات شاخصة للعيان تفوق أي وثيقة كما قال ابو تمام ( السيف أبلغ أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب !).وجماعة هذه الوثيقة جديرون بالاحترام والاستماع لمرئياتهم ولكن اعتبارهم قاعدة للتأسيس يعيد الخطيئة الكبري التي خلفت حكم البشير بجعل فصيل واحد وتيار بعينه بين عضويته مشتركات ،صغر ذلك التيار أو عظم ممثلاً للشعب السوداني برمته لم يق البلاد مما هي فيه اليوم من سفك الدماء والنزوح والويلات رغم ما توفر له من الدعم الدولي والإقليمي فقط لأن قاعدته كانت هشة ترنو ببصرها بعيدا عن مواقع أقدامها وما هكذا تورد الأبل. علي السيد الرئيس أن يوقن بألا أحد في كمال عقله ورغبته في صناعة وطن أبهي وأنضر وأقوي علي البقاء في عالم فقد عقله يرغب في إعادة أي من النظم الحاكمة السابقة بما فيها نظام المؤتمر الوطني . الكارثة التي أوشكت أن تذهب بوجود السودان تلزمنا جميعاً لنتجه لمنصة تأسيس جديدة قاعدتها خصائص شعب السودان وثقافته الجامعة مع انفتاح علي كل ما يثري التجربة وينفع الناس بديمقراطية حقيقية تحفظ الحقوق للكافة دون تمييز تأتي عبر صناديق الاقتراع تحرسها سواعد قوية مدججة بالسلاح لجيش واحد صعب المراس قوي الشكيمة عينه لا تنام ولا تغفل عن خبايا الجوار البعيد والقريب المتربصة وعينها علي المياه العذبة والأراضي الخصبة والمعادن النفيسة . والرسائل السياسية والدبلوماسية للخارج عبر الخطابات الرسمية ضرورية ولازمة ومن وسائل الحفاظ علي الوطن لكن يجب إلي جانب تأكيد حرصنا علي الوفاء بإلتزاماتنا وتعهداتنا إزاء الأسرة الدولية وفق القوانين والنظم الدولية بل والعمل معها في الحفاظ علي الأمن و السلم الدوليين. علينا التمسك بصرامة بأن رغبتنا في صداقة كل من يرغب في ذلك تشترط احترامه لاستقلالنا وكرامتنا الوطنية و خصوصياتنا بين الأمم والشعوب دون إملاء أو إكراه.ذاك مرتقي صعب كلفته عالية في محيط يعيش ويقتات علي تعظيم الحاكم البطل المغوار والمهيب علي حساب الكرامة الشخصية واحترام الذات المقدسة في جوانحنا والجديرة بالتكريم والاحترام.
هذا بعض عتاب لكنه مقة وان قصرت قامته عن قامة المتنبي ليصبح درراً ! قاومت بعسر رغبة جامحة في ترك التعاطي المباشر في الكتابة السياسية والخوض في أوحالها فأهل الكتابة فيها وعنها كثر يملأون السهل والجبل .، قلت لنفسي لنقل شيئا يسيرا قد يسهم في الابقاء علي وطن جميل يستحقه الأبناء والأحفاد والأجيال القادمةً وتحتاجه الإنسانية نبراسا للخير. قال مؤرخ الإغريق هيرودوتس وهو يقف علي تخوم أسوان يصف إنسان كوش : هنا رأس نافورة الحضارة الإنسانية الحقة!.