حسين خوجلي
من المهن التي تستولي على قلب وعقل وروح من يمتهنها مهنة الجندية، والالتحاق بالجيش والقوات المسلحة، ولذلك تظل لحظات المفارقة لها عن طريق التقادم أو الاستيداع أو الإبعاد النهائي، من اللحظات القاسية على قلوب الضباط والجنود السودانيين، خاصة الذين ينتمون لها بمواهب التجرد ونكران الذات والحس الوطني والتجويد والثقافة والتضحية.
لنا صديق أُبعد في إحدى الكشوفات الظالمة وهو يمتلك كل هذه الصفات والميزات، بل أكثر خرج منها حزينا لا لأنها تقدم له دنيا كما قال لي، ولكن لأنها سلبت منه أمنية الشهادة في سبيل الله والوطن.
وبالرغم من أن مهنته الجديدة في أعمال المقاولات والتشييد قد أصاب منها نجاحا باهرا وثروة طائلة، إلا أن قلبه ما زال معلقا بالقضية والبندقية.
علمت أخيرا أنه عاد إلى مهنته الشريفة جنديا ومدربا وقدوةً، يقود كتائب قريته الباسله ضد مجرمي الارتزاق ولصوص الحدود وسارقي هذه البلاد المجيدة التي خلقت لتقدم للناس شهادات الشرف وقلادات البطولة. عاد الرجل جنديا مقاتلا وكل أمنيته أن ينال رتبة الشهادة في سبيل الوطن وفي سبيل العقيدة التي تمناها كثيراً وطويلا.
اجتهدت في دأب حتى وجدت رقم هاتفه فأرسلت له هذه الرسالة ( إنني لم أجد هديةً أقلدها صدرك العاري، وكتفك الحار بالبطولة والتجرد والعزة، غير حكاية ابن الوليد صاحب الانتصارات والمعارك والفتوحات. فبعد أن عزله الفاروق بعد اليرموك وقدم أبو عبيدة أمين الأمة بديلاً عنه خوف أن يفتتن به الناس، عاد خالد جنديا عاديا في جيش العقيدة والمبدئية.
وما زالت أبيات شاعر العروبة ودبلوماسي الشام الكبير عمر ابو ريشة تتردد في خاطري ولا أجد هدية لك انبل منها:
يا من رأى فارس اليرموك يخلفه
أبو عبيدة والهيجاء تستعرُ
دعا سريته الغضبى وقال لها
وبسمة الكِبْرِ في خديه تنتشرُ
انا نقاتل كي يرضا الاله بنا
ولا نقاتل كي يرضى بنا عمرُ