السودان و النوير

راشد عبدالرحيم
تجري هذه الأيام في جنوب السودان محاكمة النائب الأول لرئيس الجمهورية الدكتور رياك مشار بتهم من بينها القتل و إرتكاب جرائم ضد الإنسانية.
مبعث التهم الحروبات التي قادها الجيش الأبيض، المنسوب لقبيلة النوير ، عامي 2013 و 2018 و أدت لمقتل أكثر من ثلاثين ألفا أغلبهم من قبيلة الدينكا.
الجيش الأبيض قوة فتاكة يهابها الدينكا و هي لا تخضع لسلطة القبيلة و لا رياك مشار بل لشباب يطمعون في الحصول علي نصيب من الحكم من الدينكا،
ما يهمنا في هذه القضية هو أن السودان يرتبط و يتأثر كثيراً بقبيلة النوير فهم أول قبيلة نزحت للشمال و عمل أفرادها بأعداد مقدرة خاصة في مهن عمال البناء.
المرتزقة النوير شاركوا الدعم السريع في الحرب الحالية في العديد من المناطق وسط السودان و شمال الخرطوم خاصة في الحاج يوسف،
وكان إسهام النوير في القتل كبيراً و سبباً في العديد من الخسائر . فقد عمل النوير في أسلحة المدفعية التي يجيدونها .
و عمل مقاتلو النوير علي تدريب المتمردين علي الأسلحة و فنون القتال المختلفة.
نشأت العلاقة العسكرية بينهما رغم العداوة التاريخية و المستمرة بينهم والمسيرية خاصة في ترحالهم السنوي جنوبا .
منطقة النوير هي منبع النفط و عماد موازنة دولة جنوب السودان و حياتها، إذ ليس للجنوب من مصادر للحصول علي العملات الأجنبية غيره.
خط صادر نفط الجنوب يمر بالسودان و ليس للجنوب حالياً و لا مستقبلاً من بديل .
السودان يحتاج لإستقرار الجنوب و هي معضلة مع موقف النوير المعادي و تحالفهم الحالي مع التمرد و هو تحالف هش لا مستقبل له مع تمرد لا يؤمَن له جانب .
محاكمة الدكتور رياك مشار تشكل معضلة كبيرة إذ يقوم التنافس على رئاسة دولة الجنوب بين القبيلتين و لم تنجح كل الوساطات في التوصل لحل .
ينطلق الدينكا من حق يرونه في الحكم نسبة للعدد السكاني الكبير الذي يتجاوز نصف سكان الجنوب و سيطرتهم علي أراض شاسعة و يري النوير في حق المشاركة بصيغة تمنحهم نصيباً من السلطة لكونهم القوة الثانية في الدولة .
لا حل لمعضلة الحكم في جنوب السودان إلا بقبول النوير بمنصب النائب دون فرصة للرئاسة أو قبول الدينكا منح فترات حكم للنوير .
الدول المجاورة لجنوب السودان و على رأسها كينيا و يوغندا يبدو أنها صاحبة مصلحة في إستمرار النزاع لاستفادتها الإقتصادية الكبيرة إذ يشكل الجنوب سوقاً لها مع ثروة نفطية موعودة .
و الجنوب كثيراً ما شكل ملجأ للقوى العسكرية المعادية كما حدث مع جيش الرب اليوغندي.
الأزمة الأكبر التي يواجهها جنوب السودان حالياً عزوف الدول الغربية عن التدخل بعد أن حققت هدفها الأكبر و هو إبعاد تمدد الإسلام بعد الإنفصال .
كما أن نفط الجنوب لا يتوفر باحتياطات كبيرة و تكاليفه الباهظة لا تجعله مجدياً إقتصادياً.
السودان الآن أمام وضع في جنوب السودان لا ينفع معه الابتعاد و لا انتظار الأضرار التي بلغت حد تهديد كيان الدولة و قتل مواطنيها، بل الأمر يحتاج تدخلاً ناعماً بنفوذ داخلي و للسودان حظوظ وافرة في هذا، و أيضاً بعصا غليظة لا تستعمل إلا عند الضرورة . و كثيرا ما تنفع غلظة العصا و ترفع عند الحاجة لاستخدامها.



