السودان والإمارات: القضية ليست حربًا

حسن الناصر

بحلول عام 2018، كان صندوق أبوظبي للتنمية قد استثمر حوالي 7.3 مليار درهم في السودان، بشكل أساسي من خلال ودائع في إطار صفقات أبرمتها الحكومة السودانية.

شهد عام 2013 تراجعًا كبيرًا لحكومة الإنقاذ الوطني في السودان، والتي كانت تعاني بالفعل من فقدان 80% من ميزانيتها العامة بعد فقدان النفط بسبب انفصال جنوب السودان في عام 2011. وفي الوقت نفسه، كانت منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي تعيش في ظل ثورات واضطرابات، حيث واجهت دول مثل سوريا واليمن وليبيا وتونس نكسات كبيرة. في هذا السياق الفوضوي، برزت الإمارات كلاعب مالي رئيسي، حيث كانت دائمًا بحاجة إلى مقاتلين مستأجرين.

استفادت الإمارات والسعودية من هذه الحاجة، وقامتا بنقل آلاف السودانيين إلى جبهة اليمن تحت راية “عملية عاصفة الحزم”. ومع خضوع حكومة الإنقاذ الوطني لتغييرات هيكلية بعد عام 2014، حيث اعتمدت بشكل متزايد على الأفراد بدلاً من المؤسسات، استغلت الإمارات الفرصة لتجنيد مقاتلين من الرئيس السابق عمر البشير. هذا التجنيد منح محمد حمدان دقلو (حميدتي) وعائلته إمكانية الوصول إلى موارد ضخمة، مما أدى إلى توسيع قوات الدعم السريع ودمجها في الاستراتيجية العسكرية للإمارات.

السياسات الاقتصادية

بين عامي 2012 و2022، استثمرت الإمارات حوالي 60 مليار دولار في إفريقيا، مما جعلها لاعبًا اقتصاديًا كبيرًا في القارة. وبحلول عام 2022، تضاعف هذا الرقم، حيث التزمت الإمارات بمشاريع واستثمارات بقيمة 52.8 مليار دولار. هذا جعل الإمارات المصدر الرئيسي للاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا، متفوقة بفارق كبير على مساهمات الصين. ومع ذلك، في عام 2023، انخفضت استثمارات الإمارات إلى حوالي 44 مليار دولار.

ظل السودان جزءًا من الطموحات الأفريقية الأوسع للإمارات. بحلول عام 2018، كان صندوق أبوظبي للتنمية قد استثمر حوالي 7.3 مليار درهم في السودان، بشكل أساسي من خلال ودائع في إطار صفقات أبرمتها الحكومة السودانية.

شركة موانئ دبي العالمية، وهي كيان إماراتي رئيسي، تمكنت من تأمين أول استحواذ لها على ميناء أفريقي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبحلول عام 2022، كانت قد اشترت “إمبريال لوجيستكس” في جنوب إفريقيا بحوالي مليار دولار، مما أتاح لها توسيع نطاق نفوذها في جميع أنحاء القارة. بالإضافة إلى ذلك، وقعت الإمارات عقد إيجار لمدة 30 عامًا مع تنزانيا لإدارة ميناء دار السلام، كما حصلت على أراض زراعية في زيمبابوي والسودان وأنغولا، حيث تمتلك استثمارات دبي وE20 حوالي 3,800 هكتار.

الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع

في عام 2022، كانت هناك مواجهة عسكرية مع إثيوبيا في منطقة الفشقة، حيث تركز النزاع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع حول العلاقة الديناميكية التجارية والاقتصادية، والتي شهدت تأثيرًا كبيرًا في هذه المنطقة الحدودية.

ومن جهة أخرى، استمرت الإمارات في استراتيجيتها لزيادة النفوذ العسكري في المنطقة، وذلك من خلال توفير الدعم والتدريب لقوات الدعم السريع. وأصبح محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، شخصية بارزة في هذا السياق، حيث استغل التحالف مع الإمارات لتعزيز قواته وتوسيع نفوذه داخل السودان.

الدور الإماراتي المثير للجدل

مع اندلاع الحرب في 15 أبريل بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ظهرت اتهامات بتورط الإمارات في النزاع. حيث زُعم أن الإمارات قدمت دعمًا لوجستيًا وعسكريًا لقوات الدعم السريع، مما أدى إلى تصاعد التوترات واندلاع أعمال عنف واسعة النطاق.

ومع ذلك، فإن قضية السودان والإمارات لا تتعلق فقط بالصراع العسكري، بل تتعلق أيضًا بالتنافس الاقتصادي والسياسي. حيث تسعى الإمارات إلى توسيع نفوذها في المنطقة من خلال السيطرة على الموارد والمنافذ التجارية الحيوية. وهذا يجعل السودان ساحة لمواجهة متعددة الأبعاد، تتداخل فيها العوامل الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

أبعاد الصراع ومصالح الإمارات في السودان

لم يكن دور الإمارات في السودان يقتصر فقط على الدعم العسكري لقوات الدعم السريع، بل يمتد إلى المجالات الاقتصادية والسياسية. تسعى الإمارات إلى تأمين مصالحها الاقتصادية في السودان، خاصة في المجالات الزراعية والبنية التحتية. وقد عززت من وجودها في هذه القطاعات من خلال الاستثمار في مشاريع ضخمة، تشمل الزراعة والبنية التحتية والنقل.

في ظل الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تسعى الإمارات إلى حماية استثماراتها وضمان استقرار المنطقة التي تمتلك فيها مصالح اقتصادية حيوية. ومن هنا يمكن فهم الاهتمام الإماراتي المتزايد بالسودان، حيث تعتبره بوابة رئيسية لزيادة نفوذها في القارة الإفريقية.

النزاع وتأثيره على العلاقات السودانية الإماراتية

اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع كان له تأثير كبير على العلاقات بين السودان والإمارات. على الرغم من التعاون السابق بين الإمارات وقوات الدعم السريع، فإن تصاعد النزاع وضع الإمارات في موقف حرج.

فبينما ترغب الإمارات في الحفاظ على علاقات قوية مع كلا الطرفين لتحقيق مصالحها، إلا أن دعمها الواضح لقوات الدعم السريع قد أثر على علاقاتها مع الحكومة السودانية. وبالرغم من ذلك، تظل الإمارات حريصة على تأمين نفوذها في السودان وضمان استمرار استثماراتها في البلاد.

خاتمة

القضية في السودان ليست مجرد حرب عسكرية، بل هي صراع متعدد الأبعاد يتداخل فيه السياسي والاقتصادي والعسكري. الإمارات، باعتبارها لاعبًا رئيسيًا في هذا الصراع، تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة، سواء من خلال الدعم العسكري أو الاستثمارات الاقتصادية. لكن هذا الدور المزدوج يضعها في موقف معقد، حيث يتعين عليها الموازنة بين دعم حلفائها وحماية مصالحها في منطقة تعصف بها الصراعات.

Exit mobile version