عبداللطيف البوني
بسم الله/حاطب ليل/٣١ديس٢٠٢٥
لمعرفة ما يجري اليوم في هذا الإقليم لابد من رجعة تاريخية … ففي أواخر ١٨٨٤ عقدت الدول الأوربية مؤتمرا دوليا في برلين استمر الي مطلع العام التالي… لتنظيم سباقها نحو أفريقيا من اجل التوسع الامبريالي …فقد رأي بسمارك وزير خارجية المانيا نذر حرب بين الدول الأوروبية جراء ذلك السباق..وبالفعل تم تقسيم خارطة أفريقيا فيما بين الدول الاوربية على الورق …ثم طبق على الأرض دون مراعاة للاوضاع الثقافية والقبلية والدينية وكل تلك الموروثات التي كانت تحكم المجتمعات الافريقية قبل هذا هذا المشرط الاروبي …….فحكم الأوروبيون الشعوب الافريقية بقوة الحديد والنار ..قريب من هذا ما حدث في العالم العربي باتفاقية سايكس بيكو ١٩١٦ …المهم قد تم نقل نموزج الدولة الوستفالية خارج أوروبا …وتلك قصة أخرى … بعد خروج المستعمر في حوالى منتصف القرن الماضي اندلعت الخلافات بين الدول الأفريقية. إذ شهدت عشرات الحروبات الحدودية … والحال كذلك تولت منظمة الوحدة الافريقية الأمر ففي مؤتمرها الثاني الذي انعقد بالقاهرة في ١٩٦٣ اقرت مبدأ ملزما لكل الدول الأفريقية… وهو الإبقاء على الحدود القطرية التي تركها المستعمر دون أي مساس بها …وذلك لانهاء هذة الصراعات الحدودية ثم ثانيا اذا كانت المنظمة تسعى لتوحيد كل أفريقيا فلماذا التعصب للقطرية الضيقة …وتردد صدا عبارة كوامي نكروما في كل القارة (الولايات المتحدة الافريقية هي المخرج …الا فلا فائدة من عملية الاستقلال ) يا حليلك يا نكروما ..
ذهب الجيل الافريقي المؤسس مع ذهاب السيطرة الأوروبية …فتولت السيطرة الدولية أمريكا مع اقتسام مؤقت مع الاتحاد السوفيتي الذي ذهب فيما بعد مع الريح فانفردت أمريكا بقيادة العالم ….واتخذت وكلاء اقليمين لعل اهمهم إسرائيل لسيطرتها على متخذ القرار في أمريكا …و بدافع من الحليفة اتخذ قرار استراتيجي خطير وهو إعادة رسم خارطة منطقة الشرق الأوسط والقرن الافريقي المتداخل معه ….وذلك بأعمال مشرط التجزئة لصناعة أكبر عدد من الدويلات لضمان السيطرة عليها… في حتة مهمة هنا سيكون لها ما بعدها وهي ان سياسة التجزئة لاتقوم على قناعة أمريكية لذلك تولت إسرائيل أمرها …. فصل ذلك أفي ديختر وزير الأمن الإسرائيلي في محاضرة له عام ٢٠٠٨ التي ذكر فيها السودان بتفصيل هدفهم فيه… بينما أجمل في شان بقية الدول …
منطقة القرن الافريقي لأسباب متعددة اهمها انها منطقة هشاشة أمنية استجابت لمخط التجزئة هذا بامتياز فانفلقت أكبر ثلاثة دول فيها… إثيوبيا كانت المبادرة فرجعت دولة إريتريا في عام ١٩٩١… ثم تلاها السودان فكانت دولة جنوب السودان ٢٠١١.. اما الصومال وهي المنكوبة الأكبر استقلت عنها دولة أرض الصومال أو ما كان يسمى بالصومال البريطاني ١٩٩١ …وجمدت بلاد بونت اندماجها في الدولة الام فأصبحت معلقة ..
تطاول عدم الاستقرار في السودان والتردي السياسي فيه اغرى بمواصلة التمزيق فيه فكانت حرب أبريل ٢٠٢٥ المستمرة الي يوم الناس هذا …حتى إثيوبيا التي تظن الان انها في منعة… اذا تشظى ما تبقى من السودان سوف تتشظى هي الأخرى … أما الصومال يكاد يكون أمره مقضي فالتشظي فيه يتواصل دون توقف …
المنطقة المتأخمة للقرن الافريقي شمالا وجنوب لم تسلم من سياسة التجزئة… من الناحية الشمالية للقرن الافريقي ليبيا انفلقت …ومن جنوبه أصبحت اليمن ايلة للانقسام ..
ثلاثة تطورات هامة حدثت في المنطقة افضت لحراك قوي وهي استعار حرب السودان ثم تولي السعودية لملفه مع أمريكا .. ثانيا الخلاف السعودي الإماراتي في اليمن… ثالثا اعلان إسرائيل اعترافها باستقلال أرض الصومال… هذة التطورات نبهت المنطقة والعالم الي ان مايجري من حروبات في المنطقة ماهو الا تنفيذ لمخطط صادر من مشكاة واحدة …فهاهو ايلي كوهين يغرد وبكل بجاحة …لن نخرج من سرت ولا من الفاشر ولا من بربره ولا من المهرة (ليبيا السودان الصومال اليمن )..وهنا قامت الدنيا واظهرت الدول الكبري في المنطقة ..السعودية مصر وتركيا حراكا سياسيا غير مسبوق …وزيارة رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان لهذة الدول الثلاثة يدل على أن الوعي الإقليمي بحرب السودان قد تحور هذا ان لم نقل قد تغير …
منذ اندلاع حرب السودان الحالية في أبريل ٢٠٢٥ حاول السودان الرسمي ان يوضح ان هذة الحرب هدفها ليس السودان وحده إنما كل الاقليم ….وان السودان ليس إلا حلقة من سلسلة ممتدة ….ولكن العالم أصر على اعتبارها صراع على السلطة وانها حرب جنرالين وانها حرب ايدولوجية و…و…و…وساعد في ذلك انقسام الجبهة الداخلية السودانية ثم التغطية الإعلامية الإقليمية المضللة …
السؤال الذي يطرح نفسه هل هذة الدول الكبري في المنطقة… مصر والسعودية وتركيا وبما لديها من مؤسسات راسخة كاجهزة استخبارات ومؤسسات بحثية ومراكز دراسات استراتيجية لم تكن مدركة انها الجوائز الكبرى لمخطط التجزئية ؟…بعبارة أخرى انها الهدف النهائي له ؟؟ في تقديري انها في غاية الإدراك …وانها تعمل على مناهضته بذات النسق الذي ينفذ به …ولكن التسرع من الجانب الاخر اي المنفذين والظن ان الريح تهب في اشرعتهم لابد من أن يغتنموها هي التي اوجدت الحراك المضاد …فمثلا بلد مثل السودان قمتم بشقه في ٢٠١١ كان من الاوفقَََ انتظار عقدين ثلاثة حتى يندمل جرحه النازف ثم تعمل مشرطك فيه مرة أخرى …
الان وفي هذة اللحظة المتغير الأساسي بالنسبة لنا في السودان ..هو أن السودان لم يعد وحيدا مثلما كان في بداية الحرب ومن المؤكد ان هذا الاصطفاف الجديد سيكون له اثره العسكري والدبلوماسي والسياسي ..
الباب الان مفتوح على كل الاحتمالات ..احتمالات التصعيد وارده واحتمالات التهدئة واردة…فالقوى التي نراها فقدت بعض الكروت لن تستسلم وسوف تعمل جاهدة على تلافيها … الحلفاء عندما يختلفون سيكون خلافهم مميت لأنهم يعرفون نقاط ضعف بعضهم …وهذا موضوع يطول الإسهاب فيه فالنتركه جانبا الان …يبقى السؤال الهام بالنسبة لنا هو ماذا سيفعل السودان مع هذة المتغيرات الجديدة …كيف سيستفيد من هذا الاصطفاف الجديد …داخليا واقليميا ودوليا …؟نعم الانفراجة التي حدثت ليس للسودان يد تذكر فيها… إنما احدثتها التقاطعات الإقليمية…ممكن تقول جبارة …وبما انها قد حدثت تبقى كيفية استغلالها …باختصار المطلوب التعاطي الايجابي وليس الفرجة في انتظار المزيد الانفراجة من الآخرين
