السودان بين مأزق المؤسسات وتحديات الحرب والتنمية: قراءة في ضوء كتاب “لماذا تفشل الأمم”

محمد يوسف العركي
كنت قد تناولت تلخيصاً لهذا الكتاب عبر ثلاث مقالات متتالية وفي هذا المقال أحاول أن أسقط بعض ما ورد في الكتاب (بناء على رؤية المؤلفين) على الحالة السودانية، وهي محاولة ارجو ان تجترح باباً جديداً للنظر للازمة السودانية، وان يتم التوسع في الفكرة خروجا من النظرة التقليدية في التناول
ففي كتابهما “لماذا تفشل الأمم: أصول السلطة والازدهار والفقر”، يقدم دارون أسيموجلو وجيمس روبنسون تفسيرًا جديدًا لأسباب نجاح الدول أو تعثرها، بعيدًا عن النظريات التقليدية التي تربط الفشل بالعوامل الجغرافية أو الثقافية أو الجهل.
يرى المؤلفان أن طبيعة المؤسسات السياسية والاقتصادية هي العامل الحاسم في تحديد مصير الدول، وأن المؤسسات الشاملة التي تضمن الحقوق وتوزع الفرص تخلق بيئة للنجاح، بينما تؤدي المؤسسات المغلقة إلى التراجع والتهميش.
وإذا نظرنا إلى الحالة السودانية من هذا المنظور، فإننا نجد أن التحديات التي واجهها السودان منذ الاستقلال ترتبط إلى حد كبير بطبيعة مؤسساته. فقد شهدت البلاد فترات من الحكم العسكري والمدني، لكنها لم تنجح في ترسيخ مؤسسات مستقرة وشاملة تضمن المشاركة السياسية وتكافؤ الفرص الاقتصادية.
وقد كشفت الحرب الأخيرة بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع عن عمق الأزمة المؤسسية في البلاد، حيث لم تكن المواجهة مجرد صراع عسكري، بل تعبيرًا عن خلل بنيوي في العقلية السياسية السودانية قبل ان يكون خللاً في توزيع السلطة والثروة. ورغم التحديات، تمكنت القوات المسلحة من تحقيق انتصارات ميدانية مهمة، أعادت التوازن الوطني، وأكدت قدرة الدولة على استعادة سيادتها.
في المقابل، وقفت بعض القوى الحزبية الانتهازية إلى جانب المليشيا، متجاهلة مصلحة الوطن والمواطن، وهو ما يعكس أزمة في الوعي السياسي، وغياب الالتزام بالمصلحة العامة، ويؤكد الحاجة إلى إصلاح شامل في بنية العمل الحزبي والمؤسسي.
ونشير الى انه بعد ثورة ديسمبر، بدا أن السودان أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء مؤسساته على أسس أكثر شمولًا وعدالة. لكن هذه الفرصة واجهت تحديات كبيرة، أبرزها التباين بين المكونات السياسية والاجتماعية، وغياب توافق وطني حول أولويات المرحلة الانتقالية، إضافة إلى تأثيرات خارجية ساهمت في تعقيد المسار.
استنادًا إلى رؤية الكتاب، يمكن اقتراح عدد من الخطوات العملية التي قد تسهم في نهضة السودان:
• إصلاح المؤسسات السياسية لضمان التعددية وتداول السلطة.
• بناء مؤسسات اقتصادية شاملة تضمن تكافؤ الفرص وتحفز الإنتاج.
• إعادة هيكلة العلاقة بين المركز والأطراف لتحقيق العدالة التنموية.
• تعزيز التعليم والبحث العلمي وربطهما بالتنمية الوطنية.
• إشراك المجتمع المدني في صياغة السياسات العامة.
• إدارة التنوع الثقافي والعرقي بسياسات احتوائية.
• بناء سلام مستدام يعالج جذور النزاع ويؤسس لعقد اجتماعي جديد.
السودان لا يواجه تحدياته بسبب موقعه الجغرافي أو ثقافته فحسب، بل كذلك بسبب طبيعة مؤسساته التي تحتاج إلى مراجعة جذرية. وإذا أراد أن يخطو نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا، فعليه أن يعيد بناء مؤسساته على أسس وطنية عادلة، ويستفيد من دروس الحرب في ترسيخ دولة القانون والمؤسسات.



