الخروج من الأزمة وأفكار ما بعد الحرب

زين العابدين صالح عبد الرحمن

أن عملية الخروج من الأزمة التي أدت للحرب، تحتاج إلي مبادرات و أفكار تستطيع أن تحدث أختراقا في جدار الأزمة، من خلال تبني طريقا مقنعا للشارع السياسي، و يغير فيه معادلات القوى. و تقدم رؤى تفصيلية للمبادرة و الأفكار، و ليس شعارات هتافية التي درجت عليها أغلبية القوى السياسية، مما يبين عجز كوادر القوى السياسية و غياب العناصر التي تشتغل الشغل الذهني. هذا العجز في القوى السياسية جعل بعضها خاصة الطامح فقط للسلطة أن يتبنى سياسة التخويف.. هناك من يقول أن استمرار الحرب سوف يؤدي إلي حرب أهلية، و الجاري الآن أليست هي حرب طالت المواطن الأعزل في عقر داره و شردته من منطقته.. و العجز يتبين في استجداء الخارج لاستخدام فزاعة ” الكيزان و الفلول” و هي تبين مدى ضحالة الفكر في الساحة السياسية.. و من المضحكات في القيادات السياسية عندما تبرر فشلها بأنها فشلت في أداء مهامها بسبب ” الكيزان و الفلول” و تطالب يجب أن لا يشاركوا في أي عملية سياسية قادمة، و من يفرض هذه القيود في الداخل، و إذا كان المقصود الخارج، ماذا نسمى هذا الطلب؟.. السؤال: إذا كانت هذه القوى كما تدعي هي التي أخرجتك من السلطة، و فشلت كل مشروعك أن تجعلها خارج أي مشروع سياسي؟ و هناك من يدعي أنه يرفضهم و سوف يتبنى ثورة بعد الحرب لعزلهم إليس هذه تبين عجز القيادات السياسية…! كل القوى السياسية تعلم أن الحرب سوف تفرض شروطا جديدة على الساحة السياسية، و تغير المعادلة في الساحة السياسة لقوى جديدة تفرزها الحرب..
أن القيادات السياسية في كل الأحزاب السياسية التي كانت مشاركة في الفترة الانتقالية، و التي لم تشارك فيها، جميعا مسؤولين عن تفاقم الأزمة، و يجب عليهم أن يتنحوا بإرادتهم إذا كانوا بالفعل يبحثون عن حلول لمعالجة الأزمة السودانية.. أن الخروج من الأزمة أقرته المؤسسة العسكرية هو استمرار الحرب حتى الإنتهاء من الميليشيا تماما، و يؤيد قرار المؤسسة قطاع كبير من الشعب السوداني، إذا كان من خلال قبول قطاع عريض من الشباب في تلبية دعوة الاستنفار، أو الانخراط في قطاع المقاومة الشعبية، إلي جانب الاستقبالات التي تجدها قيادات الجيش في المناطق التي تزورها.. و هناك قوى سياسية ترفع شعارات ” لا للحرب” و تتبنى طريق التفاوض بهدف إعادة الميليشيا للمشهد السياسي لكي تعود في ذيلها، هذه الرؤية لم تحرك ساكنا، و لم تقدم أي رؤية خارج إطار الرغائبية الحزبية أو الشخصية، و بالتالي حصرت نشاطها مع الخارج.. و أخر مشاريعها كيف تستطيع أن تقنع الخارج في أن يرسل قوات عسكرية للسودان، حيث طلبت من المبعوث الأمريكي توم بيرييلو، بأن يتم إرسال قوات من الاتحاد الأفريقي لحماية المدنيين، هذه القوى السياسية يصبح استمراريتها مرهونة بالميليشيا، و إذا سقطت الميليشيا تكون هي نفسها أصبح خارج دائرة التاريخ..
هناك أيضا قوى سياسية أخرى؛ تراقب فقط مجريات الحرب و العملية السياسية، دون أن يكون لها دورا مؤثرا في الساحة، فهي منتظرة فقط نهاية الحرب، و يصبح دورها أن تشيد بموقف القوات المسلحة حتى لا تحرمها من أي مشاركة في سلطة المستقبل.. الأمر الذي يؤكد حالة البؤس السياسي في العديد من التنظيمات السياسية، و رغم ذلك يصرخون أن الجيش سوف يسيطر على العملية السياسية، أن أي قوى فاعلة سوف تملأ الفراغات التي تخلفها القوى السياسية، و الحرب بينت تماما حالة الضعف و الوهن في الأحزاب السياسية، و هذا يعود لضعف القيادات السياسية، و عجزها عن استقطاب الأجيال الجديدة التي تملك قدرات أفضل في إدارة الصراع و التفكير..
أن الحرب الدائرة الآن في البلاد سوف تضع حدا فاصلا بين سودان قبل الحرب، و سودان ما بعد الحرب، الذي سوف يفرز قيادات جديدة من رحم معارك القتال و الدماء التي متزجت مع بعضها البعض لكي تدافع عن السودان كوطن مستقل بعيدا عن الأجندة الأجنبية، و هؤلاء هم الذي سوف يرسمون ملامح سودان المستقبل، بضخ الأفكار في الساحة السياسية و ليس شعارات بهدف الهتاف فقط .. و تحت راية هؤلا سوف ينعقد المؤتمر الدستوري الذي يفتح باب الحوار السياسي للكل دون أي شروط.. و الشرط الوحيد أن لا تكون هناك مشاركة لقوى خارجية فيه، و هذا الحوار السياسي هو الذي يصنع الدستور الدائم للبلاد الذي يقدم للإستفتاء الشعبي.. أن البناء على الواقع هو المخرج للأزمة، أما محاولة لوي عنق الحقيقة و ممارسة الاستهبال السياسي، هذه الأشياء قد تتجاوزتها الأحداث، لأنها تعتمد في قراءتها على قصر النظر و استيعاب المتغيرات في المجتمع.. أن الأحزاب ذات القواعد الاجتماعية العريضة ” الاتحادي – الأمة – الإسلاميين – الشيوعي” في حاجة إلي مراجعات فكرية تحدد موقفها من قضية الديمقراطية، و أن تصبح هي نفسها ممارسة لها، فهي بالفعل تحتاج إلي تغييرات كبيرة لكي تصبح مؤهلة أن تلعب دورا كبيرا في عملية الاستقرار السياسي في البلاد. و إذا حاولت بعض القيادات أن تسير في ذات المنهج القديم سوف يضعف دورها أكثر من ما هو حاصل اليوم.. نسأل الله حسن البصيرة…

Exit mobile version