الخبير و المحلل مالى والاقتصادي: د.على الله عبدالرازق على الله يكتب: ارتفاع أسعار الصرف فى السودان وقرار التوحيد.. هل من جدوى ؟..

 

– *١* –
يمر اقتصاد السودان فى هذه الايام العصية بظروف و قرارات بالغة التعقيد ، يحتاج الأمر فيها للشفافية ، و عدم القفز فوق الحقائق ، و لا يحتمل اى نوع من المجازفات ، او اى قدر من النفاق ، يتطلب التجرد ، قدرا من محو الأنانية المفرطة ، و عدم وضع الوطن تبعا للاهواء الشخصية الخاصة..
لقد كشف محافظ بنك السودان المركزى بعد انقطاع لفترة طويلة من الوقت ، عن حزمة إصلاحات كما اسماها ، اكد انها ستلقى بآثار إيجابية على أداء الاقتصاد الكلى على المدين المتوسط و الطويل ، اصدرت مؤسسة بنك السودان المركزى سياستها النقدية ، و تحديدا فى محور سعر الصرف ، أعلان توحيد سعر الصرف ، لتقوم المصارف و شركات الصرافة بتحديد اسعار الشراء و البيع للعملات الأجنبية ، دون تدخل من البنك المركزي ، معللا القرار الإجرائي في إطار اصلاح سياسات نقدية مستدامة ، متكاملة ، تستهدف سعر الصرف و زيادة قدرة القطاع المصرفى على استقطاب موارد النقد الأجنبى ، جراء الصعود فى اسعار الصرف للعملات الأجنبية فى سوق النقد الأجنبى مجددا خلال الايام الماضية ، و بلاشك هذا الصعود و القرار سيكونان باهظا التكلفة على حياة المواطنين ، يعتبر
قرار و منشور بنك السودان المركزى ، المعلن مؤخرا ، الذى نص على توحيد سعر الصرف ، و على ضوء ذلك ، اصبح سعر الصرف حرا طليقا، و ان بنك السودان المركزى يتبع سياسة سعر الصرف الحر .. بصرف النظر ، هذه الخطوة فى الظن تعتبر مكلفة ، هل هى تحرير ام تعويما او توحيدا او غيره ، فهى بلا شك قفزة فوق الظلام ، و غير محسوبة المخاطر….
– *٢* –
ان نشاط السوق الموازى ظل يتفاعل بذكاء و دهاء شديدين مع سعره المرتقب و تعاملاته فى السوق الموازى، و ظل طوال الفترة الماضية ، مراقبا و متابعا بدقة لتعاملات سوق النقد الأجنبى ، و ظل يرسل إشارات هدنة احيانا ، و انه سيرفع السعر فى سوقه فى حدود مبالغ محدودة جدا ، و سيظل في حالة ترقب و حذر شديدين اتجاه سعره فى السوق الموازى ، و يقرأ المشهد من على البعد، ما اذا كان بنك السودان المركزي له القدرة على ضخ مبالغ من النقد الاجنبى كافية لمقابلة الطلب المتزايد فى هذه الفترة ام لا ، و حالما تأكد للسوق الموازى عدم مقدرة بنك السودان المركزى ، و عدم صدقية تصريحات الحكومة ، سيبدأ بزيادة سعر الصرف فى السوق الموازى بكثافة كاستحابة ملحة ، و تبدأ رحلة الانهيار المتواصل و المستمرة لسعر صرف العملة الوطنية ، و ها هى الان ترتفع مجدا بوصول السعر قرابة الستمائة جنية مقابل الدولار فى السوق الموازى ، فى حين ظل السعر المعلن بواسطة المصارف بعيدا عنه..
– *٣* –
من جانب آخر ، يتوقع ان تواجه المصارف السودانية تحديات حقيقية بعد تطبيق قرار التوحيد ، قد تتمثل فى بروز مشكلة عدم توفر سيولة كافية لعدد كبير من المصارف لإتمام عمليات البيع و الشراء ، لاسيما و ان نسبة كبيرة من السيولة الان خارج الجهاز المصرفى ، بأيدى تجار السوق الموازى ، و قطاعات كبيرة من المواطنين ، كما قد تبرز بجانب ذلك ، مشكلة عدم توفر سيولة للمصارف للمقابل للنقد الأجنبى ، و هذا مما قد يدفع بالاحجام عن التعامل مع المصارف من قبل كثير من الجمهور فى إتمام عمليات التحويل الداخلي للنقد الأجنبى ، هذا فضلا عن ، قد يحدث تأخير كثير من المصارف فى صرف المقابل المحلى من العملة الوطنية ، بسبب التعقيدات و الإجراءات الإدارية المتبعة للمصارف السودانية ، ينضاف لذلك تحدى آخر قد يواجه المصارف السودانية ، هو محدودية ساعات عمل المصارف أثناء اليوم ، هذا بجانب عدم كفاءة وسائل الدفع الإلكترونى ، و سوء و تدنى خدمات الصيرفة الاليكترونية ، و ضعف خدمة شبكة شركة السودان للخدمات المصرفية …
– *٤-*
بناء على ذلك ، يتضح أن سعر الصرف الحر الحالى للمصارف و شركات الصرافة ، يختلف عن سعر الصرف فى السوق الموازى ، و ذلك نتيجة لجملة من الاختلالات الهيكلية التى ظلت ملازمة للاقتصاد السودانى و التى ظهرت مؤخرا بكثافة ، المتمثلة فى تزايد نشاط المضاربات فى الأسواق ، و التى اصبحت السمة البارزة فى الاقتصاد السودانى فى الراهن المعاصر ، و الظاهرة المؤثرة في السنوات الأخيرة بكثافة ، ظلت هذه الظاهرة مصدر عدم إستقرار مهم فى سوق العملات الاجنبية الشحيحة اصلا ، كما برزت بجانب ذلك ظاهرة شراء الحكومة و مؤسساتها المختلفة للعملات الاجنبية من السوق الموازى بكثافة ، لتسوية و إتمام عمليات شراء السلع الاستراتيجية ، و غيرها من التعاملات التى تعنيها…..
– *٥* –
عليه ، فإن توحيد سعر الصرف الحر المعلن ، حقيقة لا يعكس السعر التوازنى الحقيقى ، بناء على معطيات متغيرات الاقتصاد الكلى المشوه….
– *٦* –
بناء على اعلاه ، كان من الاجدر ، على بنك السودان المركزى ، و قبل الشروع فى توحيد سعر الصرف ، او الاتجاه نحو التحرير الكامل فى الماثل المعاصر ، اجراء المزيد من الدراسات و الابحاث العلمية و الاقتصادية ، بدلا من الركون لبرنامج التسهيل الاتنمائى الممتد ، و البرامج الاقتصادية الأخرى ، والتأكد من دقة فاعلية مثل هذه القرارات المؤثرة على حياة و معاش المواطنين ، و رصد التأثيرات المحتملة ، خاصة المتصلة بمعدلات التضخم العالية الماثلة فى الراهن اليومى المشاهد ، التى بلغت اكثر ٤٠٠% و المزيد فى مقبل الايام ، ما يتطلب الامر من حكومة الفترة الانتقالية الحالية، ايجاد حلولا لذلك المسبب ، و علاج الاختلالات فى الموازنة العامة للدولة و هيمنة السياسة المالية ، التى تعتبر هى المصدر الرئيس لذلك ، و النظر فى المخارج والحلول لمشاكل القطاع الخارجى ، و تحديدا الميزان التجارى ، بهدف تحديد السعر التوازنى الحقيقى ، و من ثم اختيار السياسة المثلى لسعر الصرف الذى يتناسب و معطيات الاقتصاد السودانى فى هذه الفترة.

*خبير ومحلل مالي واقتصادي*

alalla@gmail.com

Exit mobile version