الحرب المستمرة في السودان غالبًا ما تم تجاهلها وسط النزاعات الأخرى الأبرز في العديد من القارات. ومع ذلك، فإن نقص الاهتمام الإعلامي والجيوسياسي بهذا الصراع الذي استمر 18 شهرا لم يقلل من فداحة الدمار الذي لحق بالأرواح البشرية.
صراع دموي
منذ اندلاع القتال في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع التي كانت جزءاً من حكومة عسكرية مشتركة، شهدت البلاد نزوحاً لأكثر من 14 مليون شخص وانقساماً جغرافياً وإيديولوجياً.
وفي حين أننا قد لا نعرف أبداً العدد الدقيق للضحايا، فإن الصراع في السودان يُعتبر من بين الأكثر دموية في العالم اليوم.
بصفتنا باحثين في مجالات الصحة العامة والنزاعات وحقوق الإنسان وعاملين سودانيين-أمريكيين في المجال الصحي، ندرك تماماً صعوبة تقدير معدل الوفيات في الحروب لأسباب عملية وسياسية عديدة. ولكن مثل هذه التقديرات ذات أهمية حيوية: فهي تساعدنا على فهم ومقارنة النزاعات، وتوجيه المساعدات الإنسانية للمتضررين، وإثارة التحقيقات في جرائم الحرب، والشهادة على النزاع، ودفع الدول والجماعات المسلحة للتدخل أو تغيير مواقفهم.
إحصاء الضحايا
أزمة إنسانية عميقة تحدث في السودان، تتميز بتطهير عرقي ونزوح جماعي ونقص في الغذاء وانتشار للأمراض، إضافة إلى فيضانات في الولايات الشمالية.
يشمل احتساب عدد الضحايا في مثل هذا الصراع احتساب القتلى ليس فقط بسبب العنف المباشر – الذي يصعب تحديده في الوقت الفعلي – ولكن أيضاً أولئك الذين توفوا بسبب عوامل مرتبطة بالنزاع، مثل نقص الرعاية الطارئة، وتفكك برامج التطعيم، ونقص الغذاء والدواء. تقدير هذا النوع من الوفيات غير المباشرة يمثل تحدياً بحد ذاته.
خلال شهادته أمام الكونغرس، اعترف المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، بتحديات التقدير، مشيراً إلى أن عدد الوفيات يتراوح بين 15,000 و150,000 – نطاق واسع يعزى جزئيًا إلى صعوبة تحديد الوفيات غير المباشرة.
جمعية بيانات النزاعات المسلحة وأحداثها (ACLED)، وهي منظمة غير ربحية مختصة بجمع البيانات المتعلقة بالنزاعات، سجلت متوسطًا يزيد عن 1,200 وفاة نتيجة النزاع المباشر شهريًا في السودان، مع ما يقارب 19,000 وفاة خلال الخمسة عشر شهرًا الأولى من النزاع. وهذا الرقم مشابه لتقديرات نقابة أطباء السودان البالغة 20,000 وفاة.
تستمد منظمة ACLED تقديراتها للوفيات من وسائل الإعلام التقليدية وتقارير المنظمات غير الحكومية الدولية والمراقبين المحليين، مدعومة بوسائط جديدة مثل الحسابات المؤكدة على تليجرام وواتساب. من ناحية أخرى، تقدم نقابة الأطباء السودانية تقديرات ميدانية لعدد القتلى.
الصراع السوداني في السياق
بالرغم من أن هذه الأرقام تعكس حجم الخسائر الكبيرة في الأرواح، فإنها لا تعبر بالضرورة عن التكلفة البشرية الحقيقية للصراع.
كان السودان يمتلك نظامًا صحيًا هشًا وممولا بشكل غير كاف قبل اندلاع القتال. وبالمقارنة مع النزاعات المستمرة الأخرى مثل غزة وأوكرانيا، كان الوضع الصحي في السودان أكثر هشاشة، حيث معدل وفيات الأطفال أعلى ومتوسط العمر المتوقع أقل.
منذ بدء الحرب في السودان، كانت هناك تقارير متواصلة عن عمليات قتل جماعي واختفاءات قسرية وعنف جنسي وتعمد في منع وصول الغذاء والدواء، وغيرها من أشكال العنف ضد المدنيين.
أدى تدمير البنية التحتية المدنية وآليات المساعدات المقطوعة إلى منع الأدوية والطعام والمياه النظيفة والتطعيمات من الوصول إلى المحتاجين.
استهدفت الهجمات العاملين في المجال الصحي والمرافق الطبية ليس فقط في دارفور التي تعد منطقة ذات خطورة عالية، ولكن أيضًا في جميع أنحاء البلاد، حيث تم تعطيل ما يقرب من 80% من المرافق الطبية، وقُتل 58 طبيبًا على الأقل.
حدود التقديرات
تعقّد النزوح الداخلي لأكثر من 14 مليون شخص في السودان من عملية تقدير عدد الوفيات، إذ تجعل حركة السكان المستمرة من الصعب وضع أسس ثابتة.
عادة ما يكون هناك نقص في المعلومات الرسمية المجمعة والمعلنة خلال النزاعات.
ولكن بصفتنا علماء يعملون عند تقاطع الصحة العامة وحقوق الإنسان، نعتقد أن هذا العمل، مهما كان ناقصا، ضروري لتوثيق الصراع – ومنعه في المستقبل. وبينما هناك العديد من الصراعات العالمية الحالية التي تتطلب اهتمامنا العاجل، يجب ألا يضيع الصراع في السودان في هذا المزيج.
نقلا عن موقع “الدفاع”