الحاج أبو النور يكتب: سلسلة انتهاكات الدعامة في حرب 15 أبريل

حكاية سيد أحمد الذي قتلوه ومثلوا بجثته لأنهم أرادوا اغتصاب بناته

مصعب: تسببت في اعتقال أخي الموجود الآن عند الدعامة

الشاب أحمد اختطفوا زوجته أمامه وأوسعوه ضرباً وتركوه في كشك المرور

طه سليمان من نجومية الغناء إلى خدمة الناس عبر تكية في شمبات

 

حكاية سيد أحمد 

جمعتني به جلسة في ام درمان اسمه أحمد ولنكتفي بالاسم الاول أحمد من الملازمين يعمل محام  دخل الدعامة منطقته وهو موجود فيها لديه وصف للدعامة قال (قتلة لا علاقة لهم بكل ما هو إنساني لا عهد لهم ولا كلمة مجرد لصوص وبلطجية ومتعاطي مخدرات ) قال احمد أنهم دخلوا المنطقة بأعداد كبيرة اذ صحونا صباحاً في الملازمين لنجد أعداد كبيرة منهم منتشرة في الحي .. في البداية كانوا يتعاملون بأسلوب فظ لكن ليس عدواني يسالون من يسكن هذا المنزل وهل اهله هنا ام غادروا.

سرقوا كل السيارات الموجودة في الحي في البداية دون ان يقتلوا أحد واحتلوا منازل السكان الذين غادروا … قال في الاسبوع الاول وصلت منزل شقيقي في أبو روف فوجدت ما لا يقل عن (200) دعامي تقريبا في شارع النيل منتشرين لكنهم لم يكونوا عدائيين . هم يسرقون ويضربون نيرانهم طوال الوقت لكنهم حتي ذلك الوقت لم يعتدوا علي الناس … الاعتداء علي الناس جاء بعد مرور حوالي (15) يوم .. قتلوا عامل في مخبز بالحي لم تعرف حتي الان لماذا قتلوه … ربما اراد احدهم ان يجرب سلاحه وهو سبب كاف ليقتلك الدعامي ويهدر دمك.

وكنت استمع لقصص قتلهم لأشخاص هنا وهناك لا اعرفهم لكن بعد أكثر من أسبوعين علي وصولهم للحي دخلوا علي جارنا سيد احمد وطالبوه بتسليمهم كل المال الذي بحوزته او تسليمهم العوين والمقصود هنا النساء ليغتصبوهن … لا اعلم ما دار بينهم لكني اعلم ان جاري هذا رجل معتد بنفسه وهو محاسب قديم ممن افنوا زهرة شبابهم في دواوين الحكومة … لا اعلم كيف اقنعهم لكنهم غادروا ذلك اليوم.

لا اعلم ماذا قال لهم وكنت اتابع نقاشه معهم من الطابق الثاني لمنزلي … المهم غادروا ويبدو انه نجح بطريقة ما في تهريب زوجته وبناته من المنزل مساء .. في اليوم الثاني عاد الدعامة قبل صلاة الظهر بقليل وفوجئنا بهم يجرونه من منزله وهو مربوط علي حبل في عنقه … جروه بواسطة حبل مربوط علي عنقه وهو في هذا العمر … كانوا يسالونه مشن وين ويطلقون الفاظاً نابية عليه وعليهن.. سيد احمد هذا عمره حوالي (70) عاماً وربما يزيد جروه الي الميدان أمام منزله وشنقوه وهو ملقي علي الارض قتلوه بواسطة الحبل المربوط علي عنقه.. كانوا حوالي (17) من الدعامة المعممين بالكدمول. 

وليتهم تركوا جثمانه هناك لندفنه … هل تصدق انهم ربطوا جثمانه الحبل الذي شنقوه به وهو علي الارض .. ربطوه بالتاتشر وتحركوا به … كانت السيارة تتحرك وجثمان سيد احمد عليه رحمة الله مربوط بها بواسطة حبل … لانعرف حتي الان اين جثمانه ولا اين اسرته التي اختفت ولا اقاربه … خرجت من هناك مباشرة بعد حادثة سيد احمد كان ما حدث صادماً … هؤلاء تعاملوا معنا بغبينة ..

انا خرجت من هناك ووجدت ارتكازاتهم في كل مكان كانوا يسألونني عن هاتفي وكانت اجابتي واحدة اخذوه مني … هل معك مال لا … فتشوني مليون مرة وضربوني حتي لم اعد اشعر بالضرب … وصلت الي كرري واقيم بها الان ولم اعد الي هناك ولا اعتقد انني سأعود … كوابيس هناك تلاحقني هنا

 

مصعب : أخي لازال أسيراً عند الدعامة

مصعب شاب في الثلاثين من عمره اعتقل هو وشقيقه في احد ارتكازات الدعم السريع في بحري.. شقيقه لازال مفقوداً لا يعلم مصيره قال انه يشعر بالذنب لأنه السبب في اعتقاله واعتقال شقيقه وقبل ان يروي لي قصته قال تمنيت ان أكون مكانه لكن الامر ليس بيدي .. هو شقيقي الاصغر لا ذنب له في الموضوع كله هو فقط رافقني خوفاً علي انا من تسبب في هذه المشكلة التي تعيشها اسرتنا …

انا من سكان شمال ام درمان املك دفاراً كنت أعمل به في نقل البضائع والمنقولات … كنت اعمل علي نقل بضائع بعض التجار من بعض المناطق الحرجة دون ان يتعرض لي الدعامة بسبب كوني من قبيلة يقاتل افراد كثر منها في صفوف الدعم السريع … كنت انقل بضاعة مخازن ومحلات مقابل اموال طائلة … لربما كان هذا المبلغ هو ما اوردني المهالك … يوماً ما اتصل بي احد معارفي واخبرني ان احد التجار لديه بضاعة في مكان ما في بحري ويريد منك ان تنقلها له الي ام درمان وسنحول لك المبلغ علي حساب (بنكك) كالمعتاد …

كانت البضاعة موجودة في منطقة للامانة لم انقل بضاعة منها من قبل لكن المبلغ كان كبيراً ولانني لن اجد من يرفع معي البضاعة من المحل الي الدفار اصطحبت اخي معي … وبالفعل عبرنا كل الارتكازات ذهاباً ولم يعترضنا احد لكن عندما رفعنا البضاعة اوقفنا في اول ارتكاز وطلب مني احدهم اوراق العربية واوراق البضاعة وان اترجل من الدفار … نزلت فسألوني عن البضاعة فأخبرتهم أنها تخص محل اخي وأنني سأنقلها وأخزنها في منزلنا … المهم اجلسونا علي الارض وجاء احدهم ويبدو انه المسؤول فاخبروه بقصتي وانني من قبيلة كذا فقال لا علاقة لنا بالقبيلة التي ينتمي لها هذا لص يريد سرقة غنائمنا …

هم يعتبرون اي شيء في منطقة سيطرتهم من غنائمهم … سيارة طيارة دولاب بشر كله غنائم .. المهم بحديث هذا الرجل فتح لنا الدعامة نافذة علي الجحيم … اقتادونا بعد ان عصبوا عيوننا الي مكان اظنه بدروم مكتظ بالمحتجزين … مساحة صغيرة فيها حوالي (250) شخص لا تستطيع حتي التنفس … مكان مغلق بلا نوافذ وفتحات التهوية وضعت فيها اكياس رمل او  شيء من هذا القبيل من الخارج … معظم المعتقلين لا يعلمون اين هم ولا يعلمون شيئاُ عما يدور في الخارج كنت انا اول وسيلة اتصال لهم بالخارج بعد اقل من اربعة اشهر بأيام … معظمهم اعتقل في الايام الاولي والاسابيع الاولي للحرب ..

قالوا ان كثيرين منهم قتلوا او ماتوا بسبب الجوع لان الدعامة يذهبون احيانا من المكان ولا يعودون الا بعد اسبوع .. كيف خرجت هذه قصة اخري اذ استخدمنا الدعامة في بعض الاحيان كأبقار لاكتشاف الالغام … كانوا يربطون بعض الاسري بسيارة في مكان ما بعد اجبارهم علي ارتداء ملابس الدعم السريع ويتركونهم هناك ليقصفهم الطيران الحربي عندما يشعرون ان  حركة الطيران الحربي التابع للجيش كتيفة في المنطقة ويتحركون هم لمهاجمة مكان ما يومها اخذونا وكنا حوالي (30) أسيراُ ولبسونا ملابسهم وربطونا في سيارات وتركونا هناك … تشهدت وانتظرت الشهادة لأنه ما من احد سيخبر الطيار اننا اسري …

نحن في الواقع دعامة يرتدون ملابس الدعامة ويعتلون سياراتهم … قصفنا الطيران لكنه ركز قصفه لحكمة يعلمها الله علي الجهة التي اوقفوا فيها سياراتهم تحت الاشجار امامنا … ضربهم الطيران الحربي فتفرقوا هنا وهناك وطارت الجثث امامنا قبل ان يقصف جوارنا مباشرة ويذهب … لحظتها وجدت نفسي سبحان لله وقد تحررت يدي اذ انقطع جنزير كان يربطنا بالسيارة كيف هذه لا علم لي بها … ما اعلمه ان الاهتزاز والصوت والزلزلة التي حدثت والغبار والاصوات النار ولهبها وصلني او كاد … حررت نفسي واتجهت الي الغرب خلف الاشجار واختبأت هناك .. كان البحر الي جواري وكنت اعلم اننا في بحري وان دياري خلفه …

بقيت هناك الي ساعات الليل وكنت اشاهدهم وهم يرفعون الانقاض ويتحركون جيئة وذهاباُ لكنهم لم يتجهوا الي المكان الذي تواجدت به … في الليل تحركت شمالاً بمحاذاة النيل الي ان وصلت الي منطقة عرفتها فسبحت الي منطقة اعرفها وكدت اغرق لان بعض الاصابات كانت قد لحقت بجسدي وبات مرور الماء عبرها مؤلماً لكن مع الوقت تخدرت …

وصلت الي نقطة اصبحت فيها ملامح المكان واضحة ومن هناك وصلت بمركب الي الضفة الغربية حيث تلقيت العلاج في المستشفى لكن اخي لازال عندهم … لا اعلم ما حدث له وعلمت مؤخرا من بعض الناس ان بعض الاسري نقلوا الي شرق النيل.

 

حسن فقد زوجته ففقد عقله

في أم درمان لكل مار او عابر هنا او هناك قصة مع الحرب.. من نزح من منطقته ومن بقي فيها ومن تشتت شمل اسرته واصبحت موزعة بين الولايات ومصر ومن فقد افراد اسرته بالموت او حتى فقد التواصل معهم … احد الشباب لفت نظري وكنا قد تجمعنا بعد سقوط احدي الدانات في المنطقة لفت نظري الي شاب كان يجلس بين الانقاض يبحث عن شيء ما.. قال لي هذا الشاب خطف الدعامة زوجته عنوة فاصبح كما تري هائماً علي وجهه..

سالت ان كان قادراُ على الحديث وان كان مدركاً فهزوا رؤوسهم لا احد يعلم ان كان يستطيع الحديث لكن الذي يعرفونه ان الشاب هذا كان من سكان الحارة هو واسرته اغترب لسنوات قبل ان يعود ويتوج فتاة من مدينة بحري ويستقر هناك وكان يأتي الي الحي علي فترات متباعدة..

دلوني على أحد اقرباءه فأخبرني ان حسن وهو اسم الشاب تقريباُ فقد عقله ولم يعد مدركاً.. أسرته في بورتسودان وقصته ببساطة انه خرج مع زوجته ايام الحرب في بحري لا اعلم الي اين كانوا يتجهون لكن ما اعلمه انهم كانوا ضمن ركاب في حافلة كانت تنقل الناس فأوقفهم الدعامة وفتشوا الحافلة قبل ان يطلبوا من زوجة حسن الترجل من الحافلة فتبعها هو ونزل معها لكنهم طلبوا منه العودة للحافلة وطلبوا من السائق ان يتحرك … لحظتها ادرك انهم سيختطفونها فحاول منعهم لكنهم ضربوه واحتجزوه في كشك مرور جوار مكان ارتكازهم حتي المساء وذهبوا …

ظل هناك حتي اخرجه احدهم وأوصله الي منطقة كرري حيث ظل حسن يذكر له معلومات متضاربة عن مكان اهله … عموما وصل الي كرري وحاله كما تري لا يتحدث مع احد لا يتوقف عن التجول لا نعلم اين يمضي وقته ولا اين ينام لكنه يدخل أحياناُ الى منزلهم ليلاً …

زوجته لازالت مفقودة لا نعلم عنها شيء.

 

طه سليمان يوزع الطعام لأهل شمبات ويؤسس تكية

في الخرطوم الان ومع الضغط الكبير على الناس وعلي معاشهم بعد ان ارتفعت اسعار السلع ان وجدت الي ارقام قياسية ما كان احد يتوقعها فعلبة الكبريت مثلا بمائتي جنيه وكيلو العدس وصل الي الف وخمسمائة جنيه اما اللحوم فالكيلو ما بين اربعة الي ست الاف جنيه وتضاعفت اسعار الالبان ان وجدت والزيوت الي ثلاثة اضعاف سعرها قبل الحرب اما الادوية فحدث ولا حرج العلبة التي كان سعرها الف ونصف مثلاً وصلت الي عشرة الاف جنيه لو وجدتها وعلي ذلك قس …

وسط هذه الظلام الدامس.. الرصاص والموت والدانات والجوع بسبب عدم وجود رواتب وعمل هناك معادن لمعت واقامت ما يمكن تسميتها بـ (التكايا) وهي اماكن توفر للناس الطعام مجاناً بعضها فتح مكان لتوزيع الطعام علي الناس (صواني ) ومعظمها قدرة فول وعدس يأتي سكان الحي ليأخذوا حصتهم كل صباح من الفول والعدس … بعضها يوفر الطعام لعدد يصل الي (1500) مواطن يوميا وبعضها يوزع حوالي (50-80) وجبة يوميا علي الناس …

في معظم الحارات توجد هذه التكايا وهي نوعان نوع يشرف عليه شخص واحد يدفع كامل التكلفة ويتولي سداد كل المنصرفات ونوع يعمل عبر تجميع المال من بعض الافراد في الحي وعبر تبرعهم يستمر في دعم الاسر وفي كل الاحوال معظم هذه التكايا لازالت تعمل صحيح بعضها توقف لتوقف المال وتعثر التمويل لكن اغلبها يعمل وهي في ام درمان هنا كثيرة وسبق لوالي الخرطوم ان زار بعضها وتحدث عنها وعن الخدمة الكبيرة التي تقدمها …

لدينا هنا قدرة خالد الفكي التي سأعود واتحدث عنها وفي بحري التي تشهد اعمال قتالية مستمرة هذه الايام هناك تكية طه سليمان الذي آثر البقاء مع اهله في شمبات واسس تكية اصبحت ملاذاً لأهل شمبات توفر الطعام والمأوي للناس هناك وسأعود لأتحدث عنها.

Exit mobile version