فيما أرى
عادل الباز
في لحظاته الأخيرة قبل أن يغادر الحياة؛ كان صديقه مُسجى في تلك الغرفة الباردة، وكانت زوجته حول سرير الموت، تفيض أعينها بالدمع وهو يغرغر إذ بلغت التراقي تتوسل إليه في تلك اللحظات العصيبة أن ينطق بالشهادتين لأول وآخر مرة في حياته.. ولكنه رفض (بإباء) وظل هكذا لوقت طويل حتى أسلم الروح.. وغادر دون أن ينطق بالشهادتين، كان وفياً لمبادئه وقناعاته!!
ما مناسبة هذه الحكاية السخيفة التي تنبش في سيرة رجل غادر الدنيا بما لا يحب هو وأهله؟ عليكم أن تسألوا الباقر العفيف.. صديق المرحوم.. بئس الصديق!
تصوروا أن الباقر كتب هذه القصة مقال شهير له، فضجت الأسافير، واستحق كل اللعنات التي انصبّت عليه يومها.
2
قصد الباقر أن يدافع عن مبدئية صديقه بهذه الطريقة الغبية السمجة المستهجنة، التي أثارت عليه سخط قطاع واسع من السودانيين.. ففي مثل تلك لحظات ينصرف السودانيون للدعاء لمن هو في أمس الحاجة إليه.. وحتى لو حدث ما حدث هل من العقل والاستنارة والحس السليم في مجتمع كالمجتمع السوداني أن تحكي مثل تلك القصة؟!
لكم تمنيت أن ينفي تلكم السخافة عن تاريخ الرجل، بقصته تلك فلقد أخرجه صديقه من الدين والإسلام جملة وتفصيلاً.. ياله من صديق جاهل (ديك عِدَّة بس).
3
أعود إلى مقال الباقر فبعد الشتائم التي دلقها وبعد النعوت التي أطلقها على كاتب هذا المقال واستعرضناها بالأمس، انتابته حالة غريبة حيرتني، فلقد طفق يحشد المقال بآيات قرانية واقتباسات من نصوص القرآن، بمناسبة ومن دون مناسبة.
كيف ولماذا؟ لا أدري ولكنه بدأ بسورة الأعراف (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمْ ۚ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ (193) ويقصد بهم الكيزان يطلب منهم أن يتبعونه لكنه لم يوضح يتبعونه على أي مذهب؟ حاشا لله أن يتبعه الكيزان وهو على مذهبه المعلوم!!
ثم يمضي إلى سورة البقرة آية 54 (فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ) ثم يمضي إلى الآية 50 من سورة المدثر لتشبيه الكيزان الذين قال إنهم فروا من الجنجويد بالحُمر المستنفرة التي فرت من قسورة!! ترى من هم الذين يقاتلون الجنجويد أفواجاً في كتائب البراء الآن؟ ثم يعود معرضا بالكيزان في آية من آيات سورة البقرة 205 (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ).
4
في الفقرة الأولى من هذا المقال رأينا صاحبنا معجباً بمبدئية صديقه الذي يرفض أن يردد شهادة لا إله إلا الله، (كما ادعى)، وفي مقاله هذا يحشد ويستشهد بالآيات البينات لذات الإله من محكم تنزيله.
هل يؤمن الباقر العفيف بإله واحد أم بإلاهين مختلفين أحدهما غير موجود (لا إله) كما في حالة الصديق موضع إعجابه، وإله آخر يستعين بآياته ليوظفها ضد الكيزان؟
ما هذه الحالة القرآنية التي انتابت العفيف؟ بدا لي أنه آب إلى ربٍ رحيم حين عصفت به الأدواء والأنواء، عوداً حميداً مستطاب والله يفرح بعودة عبده.. يقول شيخنا ابن عطاء الله السكندري (مَن لم يُقبِل على الله بملاطفات الإحسان، قُيِّد إليه بسلاسل الامتحان).. لقد تذكر الرجل أياماً خلت أمضاها في ظلال الرسالة الثانية!!
ولكن قولوا لي كيف أصدّق هذا المنافق غير العفيف الذي يحتال بالدين على الدنيا ليسحتها، وهو بلا عقل ولا رجولة ولا دين؟ أي والله.. أما عقله فلقد كشفنا غطاءه في الفقرة الأولى، أما دينه ؛ فقل لي بربك إن كان يؤمن بدين، فأي دين ذلك الذي يقبل تمويل أنشطة المثليين؟ والقرآن الذي يستشهد به يفيض بذم (قوم لوط) فهل يمكن لأحد له ذرة من دين أن يتخذ من مركزه الذي هو للاستنارة منبراً للدفاع عن حقوق المثليين؟ لا شك أن الصديق المغدور يتململ في قبره الآن.
ياتو دين وأي ثورة تلك التي تنزع حكومتها جمعية القرآن الكريم لتجعلها داراً للمثليين؟ وتنهب أموال الجمعية عياناً بياناً لتمول بها أنشطتهم؟ وقتها لاذ مدير مركز الاستنارة غير العفيف بالصمت ولم يحشد الآيات القرآنية ضد زبانية لجنة التفكيك (لعنة الله عليها) للدفاع عن جمعية القرآن الكريم، التي لوثتها أنشطة المثليين.. وأين كانت آيات القرآن التي حضرت في حق الكيزان الآن وغابت في حضرة المثليين؟! إنتو قايلين ربنا خسف بحكم القحاته الأرض من ساهل؟ ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون.
6
ختم العفيف مقاله بترديد دعاء بائس ومضحك ضد الكيزان (اللهم لا ترفع للكيزان راية، ولا تحقق لهم غاية واجعلهم للعالمين عبرة وآية).. كنت قد طلبت من أصدقاء قحاته ألا يرددوا هذا الدعاء لأنه سيجعلهم مضحكة أمام العالمين.. كيف؟
أيام رقصة الهياج الثورية أنكروا الله جملة وتفصيلاً دعك من شريعته وحكمه، بل أنكروا حتى اسمه، رفضوا أن يتصدر اسمه جل وعلا وثيقتهم الدستورية.. قالوا: لا مجال لاسم الله هنا.. لماذا؟
لأن البسملة والصلاة على المصطفى إرث كيزاني، لا يليق بعهد الثورة الجديد، ثم هذه الاستهلالات تذكرنا بعهد الظلم.. الله لا عادو!!
في ذلك الوقت لم يخرج مدّعو الاستنارة بالآيات البينات التي افتتح الله بها قرآنه، وكل فعل يبدأ بغيرها أبتر، وكذلك بدأت الوثيقة الدستورية بتراء لقيطة لأنها بغير بسم الله.. تذكرت بيت شعر جميل لعمرو بن ربيعة (لقد بسملت ليلى غداة لقيتُها.. فيا حبذا ذاك الحبيب المبسمل).
هذا الإله الذي رفضوا مجرد وضع اسمه في وثيقة تافهة لا تساوي ثمن الحبر الذي مهرت به، ذات الإله يدعونه الآن، بعد أن ذهبت ريحهم، وبُعثرت وثيقتهم، ليجعل لهم من الكيزان عبرة وآية!!
الأمر العجيب بقدر ما ارتفعت عقيرتهم بهذا الدعاء الهراء كلما رفع الله رايات الكيزان وأعلى سبحانه من مقامهم في عيون الشعب، أولم تروا راياتهم ترفع عالية فى مقدمة أفواج المستنفرين؟ أولم يحقق غاياتهم بانهيار سلطة القحاتة وجعل من الكيزان في نظر السودانيين أبطالاً يهبون للدفاع عن الوطن وشرف السودانيات، أولم يجعل من أعدائهم عبرة وآية؟ منبوذين مشردين في المهاجر تطاردهم تُهم الخيانة والعمالة والتبعية للجنجويد.. بكل ما تشير إليه دلالتها من قتل ونهب واغتصاب؟ معقول يا جماعة، إله تنكرونه مساءً وتدعونه فجراً؟ بالتأكيد ليس وراء الموضوع فودكا ولا جن بس ليتنى عرفت الفكي الجاب ليكم العرقي بالمجان.
نواصل يا الباقر!