-١-
لعل من اهم الدروس والعبر المهمة المستفادة من تاريخ ثورة ديسمبر و التغيير السياسى الذى أطاح بالنظام السابق عدم الاستفادة من الفرصة الذهبية التى لاحت حينئذ ، و التى كان ينبغى على السياسيون و المثقفين و ذوى الفكر الثاقب فى المشهد السياسي الماثل ، الانتباه اليها جيدا و الاستفادة منها بموضوعية و تبصر عقلانى رشيد ، و ذلك لأهميتها فى تحديد و رسم مستقبل السودان المنشود ، الذى اهدرت فيه النخبة السياسية الفرصة التاريخية التى تحققت بعد نجاح ثورة ديسمبر ، لاجل تحقيق هدف وطنى استراتيجي لمستقبل اهل السودان المرهقين من فشل نخبويه فى تحقيق استقرار شامل بعد ثورة ديسمبر ، ان اهدار هذه الفرصة الذهبية و المنجزة ، قطعا ، ترتب عليه ارتفاع كلفة الانجازات فى المراحل اللاحقة ، و فى احيانا اخرى قد ترتب عليها صعوبة و استحالة تحقيق هذا الهدف – و ابلغ مثال على ذلك سوء إدارة الفترة الانتقالية الأخيرة الماثلة ، و فشل المكونيين العسكرى و المدنى فى تحقيق هذا الهدف العظيم( نموذج الشراكة) ، بل أدى إلى تغيير إتجاه هدف الثورة المنجز ( مشروع التحول الديمقراطي والمدني المنشود ) الى هدف غير متوقع الوصول اليه بسهولة فى القريب المنظور ، و فى احيانا اخرى قد يكون مستحيلا و نحن قطعنا اكثر من نصف الفترة الانتقالية. …
-٢-
حتى لا يمضى سودان ما بعد ثورة ديسمبر فى طريق السودان القديم القاسى ، ينبغى اعمال الجدية و بمسؤولية أخلاقية لتحقيق ما ينبغى ان يكون الهدف الرئيس و الاستراتيجى لهذه المرحلة التاريخية و المفصلية و الحرجة التى يمر بها السودان الحديث فى الراهن الماثل من أزمات ، اى لابد من ضرورة بلورة مشروع وطنى متفق عليه فى حده الادنى ، قادر على تجاوز حالة الاصطراع و التشاكس و الكنكشة و الأنانية السياسية الذاتية ، الجهويه و القبلية المقتيه ، و ذلك عبر تحقيق (المصالحة التاريخية )، و ابراء الجراح ، لاجل التحول الديمقراطي المنشود و تأسيس الدولة المدنية المطلوبة ، و إعادة هيكلة الدولة السودانية بانصاف و عدالة لصالح كافة مكونات المجتمع السودانى ، و من ثم حشد الإمكانيات و الطاقات المهدرة فى الراهن الماثل فى الصراعات الوهمية المتفاقمة ، و فى الظن ان هذا التشاكس و الصراع الماثل بين المكونيين العسكرى و المدنى ، فى الحقيقة لا قيمة له فى الوقت و اللحظة الحاضرة ، و لا يخدم قضايا تحديات الانتقال و تغيير واقع التخلف الذى يطوق السودان الان — هذا المشروع الوطنى الاستراتيجي بدايته الحقيقية تتمثل فى إنهاء حالة الاصطراع و الفوضى الضاربة باطنابها فى سودان الان المهترى البائس، التى كرست لها الأنظمة الشمولية ، فضلا الأنظمة الديمقراطية نفسها …
-٣-
هناك تساؤلات ملحه تحاصر الفاعلين السياسيين لسودان اليوم ، سودان ما بعد ثورة ديسمبر ، سواء كانوا أحزابا سياسية مدنية او مسلحة او كيانات معارضة ، و على رأس هذه التساؤلات ، هل من اتفاق و اجماع على هدف رئيس و استراتيجي مجتمع عليه لادارة الفترة الانتقالية وصولا لمرحلة الانتخابات بسلام ؟ هل من التزام استراتيجي وطنى متفق عليه غير قابل للمساومة و إمكانية التحاور حول قضايا و هواجس و مقلقات ما تبقى من سودان اليوم ؟ ، ماذا اعددت هذه الأحزاب المدنية و الحركات المسلحة من برامج و خطط عمل عملية لإنهاء حالة الدكتاتورية ، و ما هى البرامج المعدة لإدارة الفترة الانتقالية فى كافه جوانبها الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية فى هذه المرحلة الحرجة ، و التى تعتبر من اصعب و اعقد مرحلة فى تاريخ السودان الحديث ، فترة انتقالية مواجهة بتحديات الاقتصاد المنهار ، و تحديات الخدمة المدنية فاقدة القومية و النزاهة و الشفافية ، و معضلة انتشار النزاعات القبلية و الجهوية ، هذا فضلا عن معضلة انتشار المليشيات المسلحة المتخذة من انتهاكات حقوق الإنسان راية ، هذا بجانب معضلة تدنى مستويات التعليم العام و العالى و أخلاقيات الحياة العامة ، و شيوع خطاب الكراهية و شيطنة الراى الاخر ، و غيرها من التحديات ؟ و ماهو برنامج كل حزب مدنى او مسلح او غيره لمواجهة معضلات الانقسام الباين و العميق بين مكونات المجتمع السودانى فى الماثل ، حيث علو نبرة العرقيه و الاثنية و الجهوية التى اعاقت عملية الاصطفاف الوطني ، التى خلقت أهدافا غير وطنية تتعارض مع نموذج الديمقراطية …
هذه التساؤلات ينبغى ان تكون محور تفكير كل قوى التغيير المدنية فى سودان اليوم بدلا من رفع شعار العصيان المدنى و التمترس حول انا وانت ، و اللهث وراء كراسى السلطة وإغلاق البلاد و تعطيل مصالح الشعب ….
-٤-
لقد شهدت الدولة السودانية بعد حراك ثورة ديسمبر تراجعا متعاظما و منحدرا فى الآفاق و التطلعات و تاكلا مستمرا فى بنية حاضنات التقدم و التطور ، فى عهدها فقد شهد السودان حروبا اهلية عظمى فى كافة اقاليمة المختلفة ، قضت على الأخضر و اليابس ، و لم ينجز السودان فى مضمار التنمية الا الصفر ، و لم يسلم كذلك من الانحيازات الجهوية البائنة ، والإهمال المتعمد فى جميع مجالات الحياة و سؤ الإدارة و شيوع ظاهرة الفساد ، اشتعال الحروب الأهلية بطريقة جديدة و متجددة فى اطرافه ، و انتشار ظاهرة العنف و الكراهية و الشيطنة للاخر ، ليعبر ذلك عن حجم الغباين و الظلامات و الفشل الذى وصل اليه المشروع السياسى لحراك ما بعد ثورة ديسمبر .
-٥-
لقد ضرب الفشل المتواصل لحراك ما بعد ثورة ديسمبر الدولة والمجتمع فى مقتل ، حيث تفشى العنف فى مجتمع كان يفاخر بانه مجتمع التسامح و التعايش السلمي ، يشير ذلك الى فشل و شل النخب السودانية فى ان تحافظ على وحدة الوطن ، مثلما فعلت مثيلاتها فى الدول الإفريقية الأخرى ، و فى تحقيق التنمية المنشودة و الحاكمية الراشدة ، و هذا سؤال ملح و مقلق بعد فشل حراك ثورة ديسمبر ، و مشروع الثورة المنجزة بارهاق…
-٦-
لقد تجاهلت مبادرات راب الصدع الأخيرة الأبعاد الفكرية للظاهرة الساسويه ، و استندت على تكرار منتجات توافقية غير معدة اعدادا محكما ، تتناقض جذريا مع قيم التحول الديمقراطي ، و مطلوبات التعددية الثقافية للمجتمع السودانى ، فليس مستغربا ان يكون مصيرها هو الفشل..
-٧-
لقد ثبت ان مجريات الأحوال و مألات المستقبل ، ان لغياب الفكر المستنير تكلفة باهظة فى تحقيق منجز الثورة ، فى هذا المسعى لابد من تأسيس مشروع نهضوى فكرى سوداني مجمع عليه ، لاستدراك الأبعاد الثقافية و الفكرية لتخلف و استبداد النخب ، لاجل توطين مفاهيم التقدم والنهضة..
-٨-
الاستعداد بالرؤى الواضحة و الأفكار الخلاقة و برامج العمل المنهجية و التفصلية ، شرط لازم و ضرورى لنجاح الأحزاب السياسية لعبور ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية ، و أهم معيار لهذا النجاح هو تحسين نوعية صورة الديمقراطية التوافقية للمحكومين الإتفاق حول شروط التحول المدنى المطلوب ، و هذا يقتضي ان يكون العمل السياسى الايجابي المطلوب هو مخاطبة القضايا الجوهرية و الملحه المرتبطة بتقدم الوطن و نهضتة …
-٩-
و قد رأينا كيف ساهمت الأحزاب السياسية التى حكمت السودان باسماء و لافتات أيديولوجية مختلفة منذ الاستقلال و انتهاء بثورة ديسمبر الأخيرة ، الى انهيار التجربة الديمقراطية ، فهل من عقلاء سياسيين حكماء بقامة و رشد و حكمة نيلسون مانديلا و غاندى و غيرهم ، يقودوا الوطن الجريح المرهق من سلوك ساسويه الغير رشيد ، الى ثورة حقيقية و مستحقة تتقدم و لا تتمرس تراجعا الى الخلف ….
*كسرة* :
علة السودان الكبرى فى طريقة تفكير سياسويه ، و منهجية التعاطى مع التحديات .. ادمان سياسة الحفر والكيد دون اكثراث هى طامتنا الكبرى..
* دراسة فنون و مهارات الفعل السياسى ، رافعة مهمة لتجاوز الأزمات و المحن ، دونها خرت القتات….و على السودان السلام ، و السلام بايدى ابناءه الصالحين….
جدودنا زمان وصونا على الوطن على التراب الغالى ، الما ليه ثمن.
alalla@gmail.com