رشان اوشي
الأطماع الإماراتية في السودان ممتدة، لم تكن وليدة لحظة الحرب الراهنة، بل هي امتداد لمنهج يوظف الاقتصاد كأداة استعمارية. فكما طمعت “أبوظبي” في ذهب كردفان ودارفور، وساحل البحر الأحمر السوداني، سعت أيضاً إلى التسلل نحو الأراضي الخصيبة في سهل البطانة، حيث تمتزج التربة بالذهب.
في العام ٢٠٢٠، عندما استرد الجيش السوداني عبر عمليات حربية بطولية أراضي الفشقة التي كانت تحتلها المليشيات الإثيوبية، بادرت “أبوظبي” بمبادرة تسوية حدودية تستبطن نوايا أبعد.
المبادرة التي رفضها السودان آنذاك عبر موقف واضح لعضو مجلس السيادة “شمس الدين كباشي”عام ٢٠٢٠م، كانت تقوم على هندسة جديدة للحدود:
تقاسم إداري للفشقة بين الخرطوم وأديس أبابا بنسبة ٤٠٪ للسودان، ٤٠% للامارات، ٢٠٪ للمزارعين الاثيوبيين ، تحت إدارة استثمارية مشتركة برعاية إماراتية، وبتمويل بلغ (١٤) مليون دولار لتكاليف الترسيم.
لم يكن المبلغ سوى ثمن رمزي لمشروع أكبر.
إنّ “سهل البطانة” في الأطماع الإماراتية ليس مجرد أرض خصبة، بل هو حلقة وصل بين الشرق والوسط، بين البحر والسهل، بين الزراعة والمعادن والموانئ.
ومن هنا، رأت أبوظبي في الاضطرابات المحلية والنزاعات المجتمعية بين الرعاة والمزارعين فرصة لتأسيس نفوذ يشبه أدواتها في دارفور وكردفان، حيث يُعد الانقسام الأهلي مدخلاً جيداً لتطويع القرار المحلي.
دعمت “أبوظبي” صعود قيادات ميدانية من أبناء سهل البطانة: “أبوعاقلة كيكل” و”عبدالرحمن البيشي”، لتصبح تلك الشخصيات بمثابة وكلاء محليين لمشروع الهيمنة عبر الاستثمار في الفوضى.
ولكن بعد مجازر “ود النورة” ومقتل “البيشي”، واجه “أبوعاقلة كيكل” ضغوطاً مجتمعيةً هائلة من عشيرته للانسحاب من “الدعم السريع”، فانسحب، وبعد ذلك خاض الجيش معارك تحرير “الجزيرة، سنار، النيل الازرق” وبسطت الدولة سيطرتها على المنطقة.
لأن هذه الأرض تعرف أصحابها، سقط المشروع الإماراتي في سهل البطانة كما تتآكل الرمال تحت الريح.
