د. عبدالله المحجوب أحمد
كنت قد نبهت في مقال سابق إلى ضرورة محاربة ظاهرة الوراقة التي تفشت في الجهاز المصرفي السوداني وأضعفت دوره الوطني في التنمية والإنتاج حتى تحولت بعض البنوك من مؤسسات تمويلية تنهض بالاقتصاد إلى أدوات للمضاربة والثراء السريع بعيدة عن رسالتها التنموية والاجتماعية
وتفاجأنا بقرار محافظ بنك السودان بايقاف البنك الإسلامي السوداني من التعامل بالنقد الأجنبي وفصل مديره العام وأربعة من كبار مديري إداراته وهم من القيادات التي تتولى مسؤوليات مهمة داخل البنك بدعوى ارتكاب مخالفات قال البنك المركزي أنها حقيقة ورغم أنني لم أطلع على حيثيات القرار وماهيته بالتفصيل إلا أن مثل هذا القرار في التوقيت الحرج لا يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني بل يضعف المؤسسات القائمة التي كان الأجدر دعمها ومساندتها لإصلاح أوضاعها من الداخل لا هدمها في وقت يحتاج فيه الوطن إلى البناء لا إلى المزيد من التصدع
إن بلادنا اليوم في أمس الحاجة الى إحياء المؤسسات الاقتصادية لا إضعافها فالمصارف رغم ماقد يعتريها من خلل تظل ركائز الاقتصاد الوطني واذا انهارت أو أضعفت فلن يصمد الاقتصاد أمام التحديات الراهنة
ويبقى السؤال الجوهري: أين كانت الرقابة المصرفية في بنك السودان؟ وكيف سمحت بتفاقم هذه المخالفات؟
إن غياب المتابعة الدقيقة والرقابة المستمرة هو الذي يسمح بتراكم الأخطاء حتى تصل الى مرحلة يصعب معها الإصلاح الهادىء ولذلك فان المسؤولية لا تقع على بنك واحد فقط بل تمتد إلى الجهة الرقابية العليا التي يفترض أن تكون صمام الأمان للنظام المصرفي بأكمله
وفي هذا السياق من المهم أن يقوم بنك السودان المركزي بمراجعة قراره تجاه البنك الإسلامي السوداني بروح من الحكمة والتوازن وأن يعاد النظر في المعالجات بما يخدم استقرار النظام المصرفي ويعزز الثقة فيه
كما أن على البنك الإسلامي السوداني أن يبادر بإصلاحات حقيقية وجادة داخل منظومته الإدارية والمالية تعيد الانضباط والشفافية وتغلق كل الثغرات التي أدت إلى هذه الأزمة فالإصلاح من الداخل هو السبيل الوحيد لاستعادة الثقة وضمان ألا تمتد آثار الخلل إلى بقية القطاع المصرفي لأن استقرار اي بنك كبير هو جزء من استقرار المنظومة المصرفية كلها
ومن الضروري كذلك أن يتم مراجعة كل الشركات والجهات التي كانت سبباً مباشراً أو غير مباشر في القرارات الأخيرة ضد البنك الإسلامي السوداني ومعرفة أصحابها وصلتهم بالبنك ومن الذي منحها التسهيلات حتى تتضح الصورة كاملة وتحقق العدالة في المحاسبة فالإصلاح لا يكون بالانتقائية با بالوضوح والمراجعة الشاملة التي تعيد الثقة الى القطاع المصرفي كله
إن المطلوب اليوم ليس إصدار قرارات صادمة تزيد من هشاشة الجهاز المصرفي بل إطلاق عملية إصلاح مؤسسي شامل تعيد الثقة الى الجهاز المصرفي وتضبط الأداء وفق معايير الشفافية والمهنية مع دعم فني ورقابي حقيقي من البنك المركزي للبنوك العاملة في السوق
أما الذين يلجأون إلى ترويج الإشاعات والأكاذيب فيسعون لتشويه الحقائق وتضليل الرأي العام بادعاءات لا أساس لها فان الحقيقة لا تحجب بالدخان والصدق لا يهزم بالافتراء ومن المؤسف أن ينشغل البعض باختلاق القصص عن أشخاص أو مؤسسات بدلا من خدمة الوطن في هذا الظرف العصيب وليعلم هؤلاء أن من يختلق الكذب لن يغير من الواقع شيئا فالأعمال تقاس بالفعل لا بالافتراء وبالانجاز لا بالادعاء
ختاما إن البلاد تمر بمرحلة اقتصادية دقيقة تتطلب تعزيز الثقة في المؤسسات المالية لا ضربها في مقتل فالإصلاح لا يكون بالهدم ولا بالعقوبات المتعجلة بل بالرؤية والشفافية والمحاسبة المسؤولة التي تعيد للبنوك السودانية دورها الوطني في التنمية وللاقتصاد السوداني توازنه واستقراره
