رأي

الإتهام بإستعمال السلاح الكيميائي

السفير عمر دهب

إلتزامات السودان باعتباره طرفاً منذ عام ۱۹۹۹ في الاتفاقية الدولية لمنع تخزين وإنتاج واستعمال الأسلحة الكيميائية لعام ۱۹۹۳ هي تجاه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي أنشئت تطبيقاً لنصوص الاتفاقية الدولية المذكورة.

هذه المنظمة هي التي تفصل في الاتهامات التي توجه لأية دولة طرف في الاتفاقية باستعمال الأسلحة الكيميائية الواردة في الجداول الثلاثة الملحقة بالاتفاقية ومنها غاز الكلورين الذي أتهمت الإدارة الأمريكية الجيش السوداني بإستعماله في الحرب العدوانية الخارجية الدائرة بالسلاح والمال والدعاية والمرتزقة داخل الأراضي السودانية.

سبق أن اتهمت البارونة كوكس رئيسة منظمة التضامن المسيحي البريطانية في التسعينات الجيش السوداني باستعمال الأسلحة الكيميائية في جنوب السودان وهو الاتهام الذي دحضته مؤسستان علميتان في الولايات المتحدة وفي احدي الدول الإسكندنافية تعمل في مجال الكيمياء فمات في مهده.

ثم بعد ذلك وفي عام ۱۹۹۸ اتهمت ادارة كلينتون السودان بإنتاج مواد كيميائية محظورة دولياً بموجب الاتفاقية الدولية المذكورة ثم قامت بضرب مصنع الشفاء للأدوية المتهم بإنتاج هذه المواد بصواريخ توماهوك التي اطلقتها سفينة حربية أمريكية في عرض البحر الأحمر. تبين بعد ذلك خطل الاتهامات الأمريكية وقد وقفت الادارة الأمريكية في عهد الرئيس كلينتون موقف المدافع والمبرر لهجومه غير المبرر علي مصنع الشفاء عندما رفع صاحب المصنع دعوي بالتعويض علي الحكومة الأمريكية في المحاكم الأمريكية.

وفي عام ۲۰۱۸ لفقت منظمة العفو الدولية البريطانية الإتهام ضد الجيش السوداني باستعمال أسلحة كيميائية في وسط دارفور. كان الغرض إعاقة قرار مجلس الامن الذي قضي بأن النزاع الداخلي في دارفور قد انتهي و وضع جدولاً زمنياً لسحب قوات البعثة المشتركة للامم المتحدة والاتحاد الأفريقي (يوناميد) بحلول يونيو ۲۰۲۰.

و لعلكم تلاحظون – و هذا علي سبيل الإستطراد أن المخطط البريطاني لإعاقة خروج يوناميد قد أمتد بعد ذلك وبعد فشل هذه المحاولة حتي عام ۲۰۲۰ بمختلف الطرق والوسائل والذرائع حيث نجح في خاتمة المطاف في إحلال بعثة فولكر (يونيتامس) محل يوناميد بموجب خطاب رئيس الوزراء السوداني نفسه الدكتور حمدوك الممهور بتوقيعه في اكتوبر ۲۰۲۰ لمجلس الامن والامين العام للأمم المتحدة والذي أرسل كما هو بنفس صيغته باللغة الانجليزية.

وكما عهدنا دائماً ، فإن الاتهامات المفتقرة الي الأدلة والتي تتجاوز المؤسسات والآليات التي تواضع عليها المجتمع الدولي في اتفاقيات دولية آمرة النصوص، يتم تجاهلها كلما كان السودان طرفاً في أي نزاع او خلاف او مشكلة. وطوال خدمتي في السلك الدبلوماسي السوداني تتبعت النماذج التي تتمادي فيها بعض الدول في تجاهل القانون الدولي والمؤسسات الدولية والممارسة الدولية المعهودة طالما كان الأمر يتعلق بالسودان. والأمثلة كثيرة و قد تجل عن الحصر.

ودونكم اليوم هذا الوضع الغريب الماثل حيث يتجاهل المجتمع الدولي عمداً بمؤسساته الدولية والاقليمية وأجهزة استخبارات الدول المتغلغلة في كل شبر في العالم والمتسلحة بأحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا في جيلها الرابع جيل الذكاء الصناعي ، الحكم بصفة جازمة ما إذا كان زعيم مليشيا الدعم السريع قد هلك ام لا؟

والسؤال الجوهري هو هل الدول وتوابعها من مؤسسات المجتمع المدني و المنظمات ترعي أدني حدود التجرد والإعتمد عليه أساساً لما تقرره و تبني عليه أم أن المصالح هي التي تحكم الحقائق فتحرفها؟ الأمر ذو خطورة أخلاقية لأن ضحايا التحكم في الحقائق هم مدنيون بريئون في كل أنحاء العالم وهي دول يتهدد وجودها.

وفيما يتعلق ببلادنا ، فإلي جانب حرب الوجود أو الفناء التي نخوضها الآن ، فإن التدخلات الأجنبية المتدثرة بدثار الوساطة مسئولة عن الفشل الذي إنتهت إليه اتفاقية السلام في جنوب السودان عام ۲۰۰٥ والتي لم تأتِ بسلام واتفاقية أبوجا للسلام في دارفور لعام ۲۰۰٦ والتي لم تأت بسلام وإتفاقية الدوحة للسلام في دارفور لعام ۲۰۱۱ والتي تكالبت قوي خارجية محددة لعرقلتها بعد أن نفذت بنسبة ٨٥ في المائة كما جاء في تقرير اللجنة الدولية لمتابعة تنفيذ الإتفاقية ومن ثم إفشالها تماماً بعد إندلاع ( الثورة) في أبريل ۲۰۱۹.

أرجو وفي هذا الصدد أن أسترعي الإنتباه إلي الدراسة التي أعدها المعهد العالمي للديمقراطية والمساعدة الإنتخابية في إستكهولم وهو معهد حكومي عالمي والتي ورد فيها: “علي الدوام، فإن الوسطاء الخارجيون في النزاعات تحركهم مصالحهم الخاصة و يصبحون مفسدين”.

في داخل هذا الأطار و ليس خارجه بأي حال تتوالي – علي إختلاف الأحوال وبثبات – الإتهامات الموجهة للجيش الوطني في السودان تارةً بإستهداف المدنيين بالطائرات بغرض إخراج سلاح الطيران من المعارك وتارةً بإستعمال السلاح الكيميائي ثم ينظر الوسطاء – متناسين موجبات القانون الدولي الذي يقر بواجب ومسئولية الجيوش الوطنية الحصرية في الدفاع عن شعوبها وعن وحدة أراضيها وسلامتها ينظرون إلي ميليشيا خارجة علي القانون ترتكب الإبادة الجماعية تحت سمع وبصر العالم وإلي قوات الدولة المسلحة علي أنهما طرفان يقتتلان هذه الحالة من التوصيف ينفرد بها السودان دون غيره من دول العالم الثلاثة وتسعون ومائة !!

أما فيما يتعلق بهذه المجموعة الصحفية المجهولة التي أدعت أنها حققت في إستعمال الجيش السوداني السلاح الكيميائي في مصفاة الجيلي وخرجت بتقرير ( خطير ) كما قال بعضهم ، فليس فيما أتت به ما يستحق التعليق موضوعياً وعلمياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى