الأقسام الشمالية تموت عطشاً

أحمد المصطفى ابراهيم

في مطلع ثمانينات القرن الماضي حدثني صديق كان يدرس في بريطانيا أن خواجة عجوز قال له: أأنت من السودان؟ قال: أجبته بنعم أردف قائلاً: أنتم كأيتام فقراء تحتهم كنز. ومضى.
ها هو العالم الآن كله يتحدث جهرة عن كنوز السودان الباطنة من ذهب ويورانيوم ونحاس وغاز طبيعي وبترول ومعادن أخرى. وهذه الكنوز تحتاج همة ودراية وربما عون خارجي والاستعانة بصديقٍ أمين – هل تعني تركيا؟ – ليستفيد ويفيد وليس كدول الغرب واولها فرنسا التي تأخذ ولا تعطي بل بقناعة تامة يجب ان تبقى مستعمراتها في أفريقيا متخلفةً جداً لأقصى فترة ممكنة وهي تقاوم كل تغيير يكشف امرها ويحاول الانعتاق.
دعونا من كنوز الأرض نِعم الله الظاهرة ماذا فعلنا بها واولها الأرض والماء. وارض بمساحة ملايين الافدنة قابلة للزراعة وهي بور. (يا ربي بور دي عربية وللا انجليزية؟) قبل قرن من الزمان او نحوه أنشأ المستعمر الإنجليزي مشروع الجزيرة وسكب فيه خبراته واموالاً كثيرة – طبعاً استردها اضعافاً مضاعفة وله الحق في ذلك. ومن روائع ما ترك شبكة ري انسيابي متدرجة وبلغته ميجرات وكنارات والباقي بلغتنا ترع وأبو عشارين وأبو ستات وجداول وتقانت . منظومة الري هذه ظلت تسقي الزرع لعقود وكانت المحافظة عليها وصيانتها أولوية.
في مطلع ثمانينات القرن الماضي بدأ التوسع في الزراعة داخل مشروع الجزيرة وزادت الحاجة الى الري وبدأ (التلكع) في صيانة القنوات والتخبط والتشاكس بين وزارة الري وإدارة المشروع وفي كل عام تتجدد الشكوى وعدم الصيانة.
بشرونا بأن تعلية خزان الروصيرص هي الحل وسيكون الماء طوال العام سيزرع المزارعون الأرض مرات عديدة وطول العام. تمت تعلية خزان الروصيرص عشرة امتار وزادت طاقته التخزينية من (3) مليار متر مكعب الى (7) مليار متر مكعب وتم افتتاحه في 1/1/2013 م وحال الري في مشروع الجزيرة وخصوصا شمال المشرع أسوا مما كان. ومازال هناك شهرا مايو ويونيو جفاف تام.
أيام ما عٌرف بالنهضة الزراعية وهنا لابد أن ادلل على بعد نظر أحد الاقتصاديين . حدثت -المغفور له باذن الله -الأستاذ عبد الرحيم حمدي في بداية ايامها وحدثته عن مقرها والعمارة التي استأجرت لإدارتها. قال لي – رحمه الله -سيكون المستفيد الوحيد هو صاحب هذه العمارة. وقد كان.
في أيام النهضة كان هناك مشروع لتحديث شبكة ري مشروع الجزيرة بتكلفة (840) مليون دولار وضنت النهضة الزراعية وراعيها بهذا المبلغ واستكثروه على مشروع الجزيرة الذي حمل السودان قرابة (75) سنة ومنه بنيت البنية التحتية للدولة.
بعد هذه المقدمة الطويلة جداً الواقع اليوم يحتاج الى وقفة تقدر قيمة مشروع الجزيرة وأهله الذين أذاقتهم الحرب الويل والثبور واورثتهم الفقر، ورجعت بهم عشرات السنين الى الوراء. وكلما اتجهت شمالا كانت البلوى أكبر.
واقع الري اليوم خصوصاً في القسمين الشمالي والشمالي الغربي مؤسف جداً ومعظم المزارعين خرجوا من العروة الصيفية بلا حمص وتفالوا خيرا ان تلفت اليهم الجهة المسؤولة من الري. انا لا ادري هل قامت إدارة الري التابعة لإدارة المشروع التي اقرها رئيس مجلس الوزراء أم ما زال الصراع بين الري والمشروع قائماً ويموت المزارعون قهراً مع ارضهم.
لابد من حل عاجل لمشكلة ري شمال الجزيرة يدرك به المزارعون العروة الشتوية. وأخص القسمين الشمالي والشمال الغربي. بدائل الري مكلفة جداً رفع الماء بالطلمبات مع غلاء الجازولين سيجعل تكلفة الزراعة بالإضافة للمدخلات الأخرى مبالغة وتودي للخسارة والتعثر.

Exit mobile version