هشام الشواني
⭕الأفعى المهزومة تغير جلدها بجلد قديم: (كيف نفهم خطوة مليشيا الدعم السريع)
أنا أنظر لدعوة المليشيا وأعوانها لتشكيل حكومة في نيروبي كإعلان للهزيمة بشكل تدريجي، لقد بدأت المليشيا حربها بالتأكيد على أنها بصدد السيطرة على السودان كله وسلطته القائمة ودولته، وبالتأكيد وصفت حربها بالدعاية الكاذبة حول (الديمقراطية) مسنودة من حليفها السياسي المتلون صاحب الأسماء والأصل واحد وقد كانوا وقتها في مرحلة قوى الاتفاق الإطاري.
إذن وكما يعلم الجميع بدأت المليشيا الحرب بنية السيطرة على الحكم والسلطة، ثم مر ما يقترب من العامين وتراجعت المليشيا ميدانيا وبدأت تتعرض لهزائم استراتيجية وذلك أمام مجموعة (قوى بقاء الدولة الوطنية السودانية) وهذا المسمى يعكس مصدر قوة الدولة بداية من الجيش الوطني والقوات المقاتلة وحتى عموم القوى المجتمعية المساندة.
هذه الهزائم دفعت المليشيا نحو ذلك المربع المألوف تاريخيا والقديم والمكرر لغالب الحركات المسلحة المحاربة للدولة منذ العام ١٩٥٥م.
إن مسألة منازعة الدولة في جغرافيا ما يسميها البعض بالأراضي المحررة ويسعى بدعم خارجي محدد لإبقاء نفسه عليها هي مسألة قديمة بغض النظر عن مدى عدالة القضية. وهنا قد يقول قائل إن المليشيا تتحدث عن حكومة للسودان كله تسميها حكومة السلام ..!!
أقول لك وماذا كانت الحركة الشعبية قديما؟
ألم تكن تتحدث عن السودان كله، وغيرها من تمظاهرات الحركات المسلحة حتى اليوم (الحلو وعبد الواحد مثلا).
الحقيقة التاريخية وبشكل مختصر هي أنه ومنذ العام ١٩٥٥م ولغاية ١٩٧٢ في الجنوب القديم، ثم بداية من العام ١٩٨٣ ولغاية العام ٢٠٠٥م، وفي دارفور من العام ٢٠٠٣م وفي مناطق بجنوب كردفان والنيل الأزرق.
في كل تلك الجغرافيات نازع مجموعة من الفاعلين المسلحين الدولة وأنشأ بعضهم ما سمَّوه بسلطات محلية.
الملاحظة هي أن تمظهر الدعم السريع بهذا الشكل هو تراجع وإعلان هزيمة عن حالة البداية العسكرية لهذه القوات، والتي لم يكن جزء من خطابها في يوم ١٥ أبريل ٢٠٢٣م أي حديث حول حكومة جديدة، وفي تحليلي هذه استجابة لعدة عوامل:
1️⃣ أولا عامل عسكري:
يتمثل في تراجع ميداني وهزائم بالمعنى الاستراتيجي، وفقدان للقدرة التنظيمية في وسط السودان مع احتمال كبير لتحول المعركة نحو داوفور، بات من المستحيل هزبمة الحيش الوطني والسيطرة على السلطة.
2️⃣ ثانيا عامل سياسي:
بعد فشل التحالف مع القوى المدنية وظهور ضعفها وفقدانها للشعبية، بات التحالف الواحد المنعقد بين تقدم والمليشيا في يناير ٢٠٢٤م غير فعال ويحتاج لتجديد وتطوير، لذا بدأوا في تكتيك جديد وهو ألا يضعوا (البيض في سلة واحدة) وأن يدخلوا بفرصتين كما يقال، وفي هذا تخفف للجسم الجديد من جماعة تقدم بما يمنحهم من فرصة للتملص وممارسة الضغط السياسي على حكومة السودان، وفي هذا التكتيك أيضا براح للمليشيا في شكلها الجديد لتغرق في خطاب الحركات المسلحة وتتوسل التهميش وتمرر العرقية والإثنية.
3️⃣ عامل خارجي:
واضح أن دولة الإمارات أيضا ستتخفف لأنها ستستطيع أن تلعب على الوترين، فتتحرك ظاهريا مع دعاوى التهدئة وتقدم دعمها المالي والسياسي (للمتحور المدني) من جماعة تقدم، وتستمر في دعمها للمليشيا مع علمها التام أن الدعم سيستمر في حدود بقاء المليشيا حية وموجودة فأكثر من ذلك غير ممكن وربما غير مطلوب.
هناك نقطة صعف رئيسية في مليشيا الدعم السريع ستجعلها غير مهيأة للدور الجديد، وهو غياب الأهلية السياسية والأخلاقية وغياب الكادر القادر على خوض نضال سياسي عسكري كما كان حال جماعة قرنق قديما، ورغم مآخذ نظرية كثيرة على آيدلوجيا الحركة الشعبية إلا أنها امتلكت المثقف والمفكر وربطت نفسها بآيدلوجيا ليبرالية علمانية ومنحت نفسها صورة مقاتلي التحرير في عالم كان يحتمل هذا الأمر وقتها رغم أن كل ذلك أكذوبة كبيرة لكنها كانت الصورة المرسومة حقيقة والراسخة، اليوم الوصع تغير الوضع كثيرا والإنقاذ لم تعد موجودة بجانب أن التعاطف معدوم أو غير راسخ مع قضية القواعد الاجتماعية التي سيدعي الدعم السريع أنه ممثل لها في دارفور، ببساطة لن يكون الدعم السريع حركة شعبية جديدة أبدا، ولن يكون حميدتي جون قرنق جديد.
إن مليشيا الدعم السريع تعلن عنوان كبير لكنه فارغ وفاشل ولن يكون أبدا في مستوى مناطق حكم الحركة الشعبية (جماعة جون قرنف) قديما، ولن يكون حتى مثل مؤسسات التجمع الوطني الديمقراطي في اسمرا الذي تأسس في التسعينات.
لقد غيرت الأفعى الخبيثة جلدها وهي تتعرض للهزائم، لكنها لا تدرك أنها ستظهر بجلد قديم ميت