السفير عبد الله الأزرق
عرف السودانيون بعضهم كقومٍ يقدرون الزمالة والصداقة والعُشرة، ولكن تلك المثاليات وجدت من يستهدفها، غير آبهين بما يجره ذلك على الأخلاق من خيبات.
حدثني الإعلامي الكبير أن بابكر فيصل – الذي لا أعرفه – كان يعمل مع النبيل الكريم ابن الكرام جمال الوالي، وكان أول شيء عمله بعد (ثورة الوعي) أن أغلق صحيفة السوداني المملوكة للوالي!!
أمَّا صاحب فرية ال 64 مليار دولار – المدعو محمد عصمت – الذي زعم زوراً أن الكيزان هربوها لماليزيا فما زال يتحدث رغم أن كذبته طبّقت الآفاق .
وكان محمد الفكي تلميذاً لدى عادل الباز يعلمه الصحافة.
وكان وجدي صالح يعمل لشركة بترول تابعة لجهاز الأمن.
أما والي نهر النيل آمنة المكي فكانت ربيبة في فقرها لصندوق دعم الطلاب وديوان الزكاة.. ورغم ذلك قالت: إنها لن تترك الكوز حتى لو كان الشريف الرضي.
يقيني أنك لو سألتها عن أبيات الشريف الرضي في مدح آل البيت:
سَقَى اللهُ الْمَدِينَةَ مِنْ مَحَلٍّ لُبَابَ الْمَاءِ وَالنُّطَفِ الْعِذَابِ
وَجَادَ عَلَى الْبَقِيعِ وَسَاكِنِيهِ رَخِيُّ الذَّيْلِ مَلْآنُ الْوِطَابِ
وَأَعْلامَ الْغَرِيِّ وَمَا اسْتَبَاحَتْ مَعَالِمُهَا مِنَ الْحَسَبِ اللُّبَابِ
لقالت: إنها أغنية لحوى الطقطاقة!!
أما الفتى إيهاب الطيب فكان يعمل للصحفي الكبير أحمد البلال الطيب ثم غدر به أيام التمكين.
وذاك المسمى عبد الباري وعينوه وزير عدل فقد غدر بأستاذه بروفسر عبد الرحمن إبراهيم وهو الذي سهل له طريق المنحة للغرب!! سجنت قحته القانوني العالم ودخل عليه السفيه طه عثمان إسحق وضربه في محبسه!
ولكن طه اسحق ” يشتكون لمنو ” ؟؟
ودرّب الاستاذ حسين خوجلي عشرات الصحفيين واالإعلاميين فلما زالت الانقاذ تنكر أكثرهم له ، وما وجد لديهم وداً ولا اعترافاً بفضل .
وشاعر كان يهجو الانقاذ فلما أثقلته الديون لم يجد لها حلاً ألّا عند الكوز هاشم هارون ، فترك هجاء الانقاذ . ولكنه ” مدّ قرعته ” هذه الأيام للقحاتة وحميدتي يتكففهم ، وعاد لهجائه القديم يتكسب بشعره . يا لحسرة الأوابد والشوارد
وهكذا غدت غدرات القحاتة بمن أحسن إليهم ظاهرة جديدة تستهدف رفيع القيم. غدرٌ وفجورٌ وحقدٌ وفِسقٌ وتنكر لكل جميل فعلٍ وسلوك .
جاء في فيض القدير للمناوي:
“أتَرِعُونَ عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ؟! مَتَى يَعْرِفُهُ النَّاسُ؟! اذْكُرُوا الْفَاجِرَ بِمَا فِيهِ يَحْذَرْهُ النَّاسُ”
وجاء في التفسير الكبير لفخر الدين الرازي والعهدة عليه :
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: “اذْكُرُوا الْفَاسِقَ بِمَا فِيهِ كَيْ تَحْذَرَهُ النَّاسُ”.
ولكي أذكر مثالاً صارخاً على هذه الظاهرة القحتية الخبيثة أحيلكم إلى القصة الواقعية أدناه؛ وهي ليست قصة شخصية بقدر ما هي أنموذج عملي لظاهرة الانحطاط الأخلاقي التي لازم سلوك قوم قحت:
كنتُ أعدّه صديقاً حميماً، وحرصت على علاقتي به، بل كنت أحسُّ أنه أشد صدقاً على هذه الصداقة، لأنه – مثلاً – كان يقول لي: إنه لا يريد أن يفارق أحمد إبني ابنه؛ لأن علاقة أحمد بابنه كافية لعصمة ولده عن العلاقة مع أصدقاء سوء يجرونه لخمر أو مخدرات.. وكنت أسعد بقوله ذاك.
وفي سِنِيّ الإنقاذ الأولى، كانت على وشك أن تفصله لأسباب، لا أريد أن أذكرها، ولكنني كنت من بين الذين شفعوا له ودافعوا عنه، حتى نجا، وحمد الله على ذلك.
سافرنا معاً، وكانت رحلة ممتعة لما أضفاها عليها من بهجة بروح الدعابة والسخرية التي يتمتع بها.
وفي آخر زيارة لي للسودان عام 2018، كان من بين المدعوين لوليمة أقمتها لأصدقاء.
وكيف لا وهو من الذين إن قالوا تسمع لقولهم!!!
هكذا كنت أقيّم (الصحيح أقوّم) علاقتي بالرجل.
ثم بدى لي أنني لم أتعظ بأقوال السلف…
وما أحسن قول عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه:
“مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ الْحَيَّ لا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ”.
فما إن بدأت نُذُر الإطاحة بالإنقاذ، واندلاع المظاهرات، حتى رأيت صديقي ينقلب، ويُظهر ما كان خفيّاً!
بدأ بترديد ما خُدع به العامة والغوغاء أو الذين دخلوا عالم السياسة أواخر 2018، بلا سابق تجارب ولا هدى ولا كتابٍ منير:
“كيزان حرامية”!! وهو الذي كان قريباً منهم ويصادقهم.
ثم انتقل منحطاً إلى درك الهمز واللّمز في الأشخاص.
وهالني أنه كان إذا وجد اسمي لا يتجاوزه دون “قهنبة”.
سبحان الله؛ أن يأتي هذا من شخص كان يِظهر لي حرصاً على إخاء وقربى وصداقة!!!
لكن الرجل كان – ويا للأسف والحسرة – قد تَعَمّق في “القحطنة” المفارقة لرفيع القيم، وكريم الأخلاق والتي لا ترعى إلاًّ ولا ذمّة.
وإذا ضربنا صفحاً عن الأخلاق، فأين العقل والمنطق؟؟؟
زار خالي البروفسر العاصمة التي كان بها “صديقنا ” لحضور مؤتمر دولي. وكان خالي أقرب للبياض في لونه، ولذا لم يقرن بيني وبينه. وتصادف أن كان هذا المؤتمر بعد أول “كشف” فصل أصدرته قحت، وشمل دكتور مصطفى عثمان والسفيرة سناء حمد.
والتقى البروفسر “بصديقنا” هناك.. وكشأن السودانيين عامةً تطرق النقاش لذلك الكشف، فانبرى “صديقنا” ليقول لخالي البروفسر:
“سناء حمد بتاعت شنو ، ليه ما فصلوا ناس عبد الله الأزرق الصايتين الخارجية”!!!
يقول هذا عن “صديقه” عبد الله الأزرق!!!
وحقيقةً هم لم يفصلوني؛ لأنه لم يتبقَّ إلاّ بضعة شهور على تقاعدي الطبيعي، أو هكذا حسِبت.
ومرت الشهور وإذا “بصديق الكيزان” من بين الضالعين في فصل عشرات من الشباب الذين صنفوهم ككيزان، وفيهم من لا صلة له بهم.. كانوا فقط متدينين أو مستقيمين سلوكاً، ومن ثم يمكن أن يكونوا “كيزان مندسين”!!
وهكذا ظلموا مئات من شباب نصير عالي التأهيل.. فقد كان بينهم المؤلف والكاتب والشاعر والفصيح المُفوّه، والمحلل المدرك لطبيعة المسرح الدولي ولاعِبيه. وكثير منهم أكثر كفاءةً من الذين تولوا جريرة فصلهم من القحاتة.
اتصلت به هاتفياً، وقلت له:
إنك تعلم أن الإنقاذ أعادت في عهد الوزير علي عثمان والوزير مصطفى عثمان من فصلتهم، وأنصفتهم، وألحقتهم بدِفَعِهم، إلا من أبى؛ لأنه وجد وظيفةً أفضل في منظمة أو سواها.
وأنت تعلم أننا كنا نعرف مَن مِن الزملاء كان بعثياً أو شيوعياً أو جمهورياً ولكن الإنقاذ لم تفصلهم.
وتعلم إنك أنت شخصياً كنت تنتقد الحكومة وتعرّض بها صباح مساء، وكنا نقبل منك ذلك ونقابله بالابتسام، دون حقد أو كراهية وتصفية حسابات..
فلماذا أعملت سيف الفصل العشوائي في هؤلاء الشباب؟
والأهم أن طبيعة العمل في الخارجية لا تترك مجالاً لأصحاب الأيديولوجيات للتأثير على العمل، وأنت تدرك ذلك، فلم ظلمتم هؤلاء الشباب الذين ينتظر السودان منهم الكثير؟؟؟
أنكر الرجل أنه كان ضالعاً في فصل زملائه.
لكنه لم يكن مصيباً في نكرانه.
وفي آخر اللقاء قلت له: إنني أعلم أن المفصولين يدعون على الضالعين في ظلمهم، وأنهم ضارعين لربهم أن يستقي شأفة قحت. فويل للضالعين من الضارعين .
وختمت محادثتي معه، قائلاً: إنني لا أعلم الغيب، ولكني أقسم بالله إن القحاتة سيفصلونه هو نفسه!!!
ولم تمض شهور كثيرة حتى فصلوه بطريقة مهينة.
ذكرت كل تلك الأمثلة تبيان لظاهرة أخشى تكرارها ، والخواجات يعملون على إعادة هؤلاء ليعيثوا في الأرض الفساد تارة أخرى .
عفا الله عنك يا “صديقي” الذي كان.. وغفر لي ولك.