تقارير

استجابة كندا للحرب في غزة تثير تساؤلات حول التزامها بحقوق الإنسان والعدالة

جيريمي وايلدمان – جامعة كارلتون
لطالما اعتبر الكنديون أنفسهم مدافعين عن حقوق الإنسان، والديمقراطية، والعدالة، وسيادة القانون. فقد لعبت كندا دوراً مهماً في تطوير ما يُعرف بالنظام الدولي الليبرالي، بما في ذلك المؤسسات المتعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة والقانون الدولي.
كانت كندا تحظى باحترام واسع لدورها في تطوير إطار عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، واتفاقية حظر الألغام الأرضية، والدفاع عن “مسؤولية الحماية” في الأمم المتحدة، ودعم مفاوضات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
كما مثلت كندا صوتاً أخلاقياً في إدانة انتهاكات حقوق الإنسان وخرق القانون الدولي. فقد تحدّت نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وأقرّ برلمانها قراراً يصف معاملة الصين لمسلمي الإيغور بأنها “إبادة جماعية”.
وقد دافعت عن حقوق النساء في إيران داخل الأمم المتحدة، وفرضت عقوبات على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا عام 2022. وفي عام 2023، انضمت كندا إلى إعلان التدخل ضد ميانمار في محكمة العدل الدولية بسبب معاملتها للروهينغا، مؤكدة على التزام الدول بمنع الإبادة الجماعية.
أين تقف كندا من غزة؟
يقول رئيس الوزراء مارك كارني إن كندا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع.
لكن استجابة كندا لحرب إسرائيل على غزة منذ أكتوبر 2023، وما رافقها من جرائم حرب موثقة جيداً ضد الفلسطينيين – بما في ذلك اتهامات بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية – تثير تساؤلات خطيرة حول التزام كندا بقيمها المعلنة والنظام الدولي الليبرالي.
المراقبون وثّقوا انتهاكات إسرائيلية لا تُحصى للقانون الدولي، بينما تحولت غزة إلى أرض غير صالحة للعيش. فقد دُمّر 78% من كل المباني، بما في ذلك:
•المساكن (92%)
•شبكات المياه والصرف الصحي (89%)
•المستشفيات (50%)
•المدارس (91.8%)
•الطرق (81%)
كما جرى تفكيك النظام الصحي بشكل منهجي، وسجّلت غزة أعلى عدد من القتلى بين العاملين في المجال الصحي، وموظفي الأمم المتحدة، والصحفيين مقارنة بأي ساحة نزاع حديثة.
منذ منتصف مارس، فرضت إسرائيل حصاراً كاملاً على غزة، مانعة دخول الغذاء والمياه والأدوية ومستلزمات الرعاية الأساسية، بما في ذلك حليب الأطفال. والنتيجة: 100% من سكان غزة (2.1 مليون شخص) يواجهون مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي.
ندرة المساعدات
لا يوجد حالياً سوى أربعة مراكز توزيع مساعدات في غزة (مقارنة بـ400 سابقاً). وقد أنشئت في مايو من قبل مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة أميركياً وإسرائيلياً، لكن “أطباء بلا حدود” تقول إنها تنتهك المبادئ الإنسانية الأساسية.
وقد وُجّهت اتهامات للمؤسسة باستخدام المساعدات كسلاح، والمشاركة في التطهير العرقي، ودفع الفلسطينيين للنزوح جنوباً. واتُّهم متعاقدوها والقوات الإسرائيلية بإطلاق النار على فلسطينيين جوعى، مما أدى إلى مقتل 1,838 فلسطينياً وإصابة 13,409 منذ بدء عملياتها.
العدد الرسمي للقتلى في غزة بلغ 61,722 شخصاً، لكنه على الأرجح أعلى بكثير. وتشير بيانات الجيش الإسرائيلي نفسه إلى معدل وفيات مدنيين يقارب 83% – وهو رقم شبه غير مسبوق.
دعم كندا لإسرائيل
تقول كندا إنها تدعم مقاربة عادلة لبناء السلام الفلسطيني-الإسرائيلي، ولا تعترف بالسيطرة الإسرائيلية الدائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقرّ بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وتلتزم بحل عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط.
لكن، رغم الهجوم الإسرائيلي على غزة والانتهاكات في الضفة الغربية، لا تزال كندا:
•تُصدّر الأسلحة لإسرائيل
•تدعم مالياً المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية
•توفر غطاءً دبلوماسياً ومتعدد الأطراف لإسرائيل
وفي حال أصدرت كندا تصريحات ناقدة لإسرائيل، نادراً ما تتبعها بإجراءات ملموسة. كما أنها لم تستقبل سوى عدد محدود من لاجئي غزة، وشاركت في عمليات إنزال جوي “إنسانية” وُصفت بأنها استعراض علاقات عامة مكلف لا يساعد إلا القليل من الناس.
استهداف منتقدي إسرائيل
في الداخل الكندي، يواجه المنتقدون لانتهاكات إسرائيل هجوماً متواصلاً. فالمؤسسات الأكاديمية والإعلامية، وكذلك الحكومات الفيدرالية والإقليمية والمحلية، غالباً ما تنشر معلومات مضللة وتعمل على إسكات الأصوات المعارضة.
بعض الكنديين فقدوا وظائفهم بسبب مواقفهم، وتم استخدام أجهزة إنفاذ القانون ضدهم.
وحين فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أربعة من قضاة ومدّعي المحكمة الجنائية الدولية (من بينهم قاضٍ كندي) بسبب تحقيقاتهم في جرائم حرب إسرائيلية وأميركية، آثرت كندا الصمت، بل وانتقدت المحكمة في السابق لاتهامها قادة إسرائيليين.
لماذا تدعم كندا إسرائيل؟
بين 2021 و2023، شاركتُ في تحرير ثلاثة كتب أكاديمية تفسر ارتباط كندا الوثيق بإسرائيل خلال حربها الإبادة في غزة:
1.كندا كمستعمرة استيطانية في مسألة فلسطين (2023)
– يوضح وجود رابطة تاريخية قوية بين كندا وإسرائيل، باعتبارهما مستعمرتين استيطانيتين أوروبيتين أنشأهما الاستعمار البريطاني عبر الإبادة والتهجير للشعوب الأصلية.
2.المناصرة لفلسطين في كندا (2022)
– يوثق كيف جرى إسكات الأصوات الناقدة لإسرائيل لعقود، لكنه يوضح في المقابل أن فلسطين أصبحت محوراً للحركات المناهضة للعنصرية والاستعمار في كندا.
3.ما الذي ينتظرنا؟ مشاركة كندا في عملية السلام في الشرق الأوسط والفلسطينيين (2021)
– يبين أن بعض النخب الكندية تدعو لموقف أكثر عدلاً تجاه فلسطين، لكن هذه الأصوات تُغلب دوماً لصالح المصالح المؤيدة لإسرائيل.
تشير هذه الأعمال والمشاهدات منذ 7 أكتوبر 2023 إلى أن كندا قد تكون أكثر التزاماً بمصالحها المشتركة مع إسرائيل كدولة استعمارية استيطانية، من التزامها بقيمها المعلنة أو بالنظام الدولي الليبرالي.
اختبار حاسم
تُعدّ الإبادة الجماعية أبشع الجرائم على الإطلاق، وما يحدث في غزة هو الاختبار الأخلاقي الأهم في القرن الحادي والعشرين.
الإجراءات غير الليبرالية المستخدمة لإسكات الأصوات المعارضة ودعم دولة متهمة بالإبادة تشكل تهديداً خطيراً للقيم الديمقراطية الليبرالية الأساسية.
إن السياسات الكندية المتناقضة تجاه فلسطين تثير تساؤلات جدية حول عدالة القانون الدولي والداخلي، وحول التزام الدولة الكندية بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، والديمقراطية، والعدالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى