السفير ياسر خضر
تمر بلادنا اليوم بظرف تاريخي بالغ التعقيد يفرض على كل الحاديين على المصلحة الوطنية العليا تجاوز كل الصغائر؛ والصغائر هنا (كل ما هو أقصر قامة من معركة الكرامة ومعركة وجود الوطن)، فما زال جزء كبير من الوطن يقبع تحت ظلم وظلمات مليشيا آل دقلو الباغية، فلا بد من الاصطفاف لتحريره أولاً ورفع الظلم عن ضعفائه الذين قهرتهم المليشيا وأذلت كرامتهم؛ وأرى أن هذا العنوان كاف لجمع كل القوى الوطنية في تيار واحد، نعم هذا العنوان كاف لحسم جميع الخلافات الداخلية بين الأحزاب والجماعات الفكرية والسياسية، لأنه ليس هناك ما هو أفدح وأفظع من الحرب، ومن لم تعظه الحرب فما له من واعظ.
ومن هنا ننظر للوضع داخل حزب المؤتمر الوطني، إذ أن الاختلاف في وجهات النظر والتقديرات مهما كان حجمه ومبرراته ينبغي أن يكون دون حشد كل الطاقات لحسم المعركة والاتفاق على النسق العام لدعم الجيش حتى تخرج بلادنا من هذا الوحل الكبير، وبالطبع لن يتحقق هذا إلا بوحدة الصف وتجاوز كل العقبات التي من شأنها أن تؤثر على روح ومعنويات القوات المسلحة والمجاهدين والمستنفرين فهؤلاء الذين يضحون بأنفسهم جهاداً وكفاحاً واستشهاداً، ينتظرون منا رشداً في الممارسة واسناداً في الميدان وعوناً وطمأنينةً في تعبيرنا وفعلنا، هؤلاء ينتظرون منا طمأنينةً تشعرهم بأننا نشاركهم الخنادق ونحمل مثلهم هم الوطن الكبير ونقود معهم معركة التحرير شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى تتكامل الأدوار ونخرج بلادنا من وهدتها وتعود لتعانق الثريا رفعةً وشموخاً.
ولكل ذلك أرجو أن نتفهم جميعاً بأننا ينبغي أن نعمل في تناسق من أجل هذه الكليات الجامعة، ولا ينبغي أن نقف مع أي طرف أو موقف أو فكرة لا تدعم مشروعنا الكلي الذي نؤمن بصلاحه وقدسيته، فقد ظللنا نلتزم بفعل ما نرى أنه ينصر مشروعنا ويحفظ لبلادنا عزتها وكرامتها دون من ولا أذى ولا حتى بتكليف من أحد، فنحن جزء من تيار وعي متجدد روحاً وفكراً وسلوكاً؛ لذلك نكتفي بالملامح العامة في كثير من الأحيان ولا نغوص في التفاصيل، ونقبل بأن يسعى بهمتنا أدنانا، ودوما نطالب ونأمل أن يجتمع كل التيار الوطني العريض على كلمة سواء، نريده أن يعقد العزم على ميلاد وتخلق دولة سودانية جديدة نضرة تتجاوز السلبيات وتسير نحو التنمية والنهضة وصولاً للرفاه.
وإذا كانت دعوتنا لكل أبناء الوطن بالتوحد والاصطفاف فمن باب أولى أن تكون دعوتنا لأعضاء حزب المؤتمر الوطني على ذات النسق وفي ذات الاتجاه، فالإصلاح يبداً من الذات ثم يُنتظر من الآخر؛ وهو الأمر الذي دفعني للامتناع بوضوح من المشاركة في الورشة التي دعت لها منظمة بروميدييشن ليس انحيازاً لرأي طرف وإنما انحيازاً للمصلحة العامة، وحرصاً على التوافق وحتى لا أكون عنصراً فاعلاً في أي بذرة خلاف وشقاق جديد فليس ذلك من المصلحة في شيء، إنما هو في اعتقادي موقف الوسطية والإصلاح ما استطعت إلى ذلك سبيلا، بل هو موقف المشفق الذي لن يمل من الدعوة إلى الوحدة وتجاوز الخلافات وتعظيم العظائم وتسفيه الصغائر. فأساس دعوتنا هي الحوار بالحسنى وجمع أهل القبلة على كلمة سواء وإرساء قيم العدل والفضيلة.
نجدد التزامنا التام بكل ما يخدم وحدة الصف ويوحد الكلمة، ولن نصطف إلا خلف مبادئ راسخة ولن ننحاز لطرف على حساب الآخر، (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) صدق الله العظيم.