آفاق رقمية
د. محمد عبد الرحيم يسن
في بداية التسعينيات، اختارت إستونيا أن تجعل الرقمنة مشروعها الوطني للخروج من ضيق الإمكانات إلى رحابة المستقبل. ومن هذا الخيار الجريء وُلدت في عام 2001 منصة X-Road (طريق المعلومات السريع)، ما هو “طريق المعلومات السريع”؟ ببساطة تخيل أن هناك طريق سريع للسيارات، عوضاً عن السيارات تسير فيه البيانات بين الوزارات والوحدات الحكومية والبنوك والمستشفيات وغيرها.
هذا الطريق سُمي X-Road، وهو الذي مكن كل جهة في إستونيا تتبادل المعلومات بسرعة وأمان، بحيث لا يحتاج المواطن لإحضار نفس الورق أو تعبئة نفس البيانات كل مرة.
وصارت X-Road العمود الفقري للدولة الرقمية، التي تربط مؤسسات الحكومة في نظام موحد يتيح تبادل البيانات والخدمات بسلاسة وأمان. بفضلها، بات المواطن الإستونية ينجز معاملاته كافة وهو في منزله، ولا يزور المكاتب الحكومية.
لقد عايشتُ هذه التجربة خلال زيارتي لإستونيا، وأدركتُ أن نجاحهم لم يكن وليد الصدفة، بل كان ثمرة رؤية عميقة، قيادة ملتزمة، واستثمار حقيقي في شبابهم. وبناءً على هذه القناعة، أبرمنا اتفاقًا لتدريب شباب سودانيين على تقنيات X-Road، في مسعى لبناء مشروع “سودان X-Road”، الذي كان يحمل أملًا كبيرًا في توحيد مؤسساتنا الحكومية وفتح آفاق جديدة للخدمات الإلكترونية المتقدمة.
لقد غيّر X-Road حياة الناس في إستونيا، فاختصر الوقت والتكاليف ورفع كفاءة الدولة، ويمكن أن يفعل الشيء نفسه في السودان إذا ما أُعيد إحياؤه بجدية ليضع حدًا للمعاملات الورقية والبيروقراطية، ويعيد الثقة بين المواطن والدولة.
إن قصة إستونيا تقول بوضوح: ليست قوة الأمم بحجمها أو ثرواتها، بل برؤيتها وقدرتها على استثمار التقنية لصالح مواطنيها. إستونيا الآن ضمن أفضل خمسة دول في مؤشر الأمم المتحدة للحكومة الإلكترونية.
اطلعت اليوم على برنامج ٣×٣ لوزارة التحول الرقمي والاتصالات في السودان، وفيه بشريات تستحق الاهتمام. وأكثر ما شدني منصة بلدنا، التي تشبه في خطواتها الأولى تجربة إستونيا مع X-Road، غير أن الطريق يحتاج إلى صبر ومثابرة، فكل رحلة تحول رقمي تبدأ بخطوة وتستمر بالإرادة.

