صديق محمد عثمان
في الوقت الذي يغرق فيه العالم العربي والإسلامي في صراع يتخذ أشكالا تتراوح بين تطلعات قطاعات عريضة من الشباب نحو منظومة القيم الإنسانية التي تم تطويرها بعد الحربين العالمتين وتضمنتها المعاهدات والإعلانات الدولية الكثيفة، يقاربون هذا الإرث بعقل مفتوح واع بأن هذه القيم هي ميراث الرسالات السماوية المتعاقبة التي أخذت بيد الإنسانية صعدا حتى أكملت لها الدين واتمت عليها النعمة ووثقت نسبة أخرها بأولها وانتخبت الإسلام إسما لرسالتها الخاتمة الهادية نحو مكارم الأخلاق وفضائل القيم.
وصراع جماعات انحسر فهمها عن الرؤية الكلية للهدي الإلهي وتماهت عقولها مع عقول الصراع المادي في الحضارة الغربية الحديثة التي أسست على ميراث الإستعمار وسلب خيرات الشعوب والتطفيف في ذات منظومة القيم الإنسانية أعلاه. ويتمظهر صراع هذه الجماعات في أشكال من التطرف الذي يفرغ جهده لا في هداية الآخر بل نفيه وإقصاؤه وحربه.
وتتطابق صورة بن لادن رافعا سبابته في وجه العالم الآخر الذي حصره وضايقه وألجأه إلى مغارات أفغانستان، مع صورة الفتى جورج بوش فوق البارجة الأمريكية يستدعي ميراث الحروب الصليبية ويقسم العالم إلى فسطاطين مع وضد، دار حرب ودار سلام.
في هذا الوقت يدور صراع آخر وثيق الصلة بصراع الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي، صراع جيل جديد في الغرب يثقل كاهله ميراث كثيف من الحروب والإستعمار والإقتتال وتجنيد الموارد البشرية والمادية لإقصاء الآخر حربا باردة أو حروبا ساخنة، جيل يزعجه أن يرى حجم الموارد التي توظف في هذا الخراب بينما تنحدر مجتمعاته نحو هاوية الإفلاس القيمي والمادي على حد سواء فيعبر عن رفضه لهذا الواقع في شكل حركات رفض تحتل وول ستريت أو تقيم معسكرا أمام بورصة لندن أو تستخدم معرفتها الهائلة بوسائل التكنلوجيا في كشف أسرار مكونات الأنظمة التي تنيخ كلكلها فوق الشعوب فتظهر ويكيليكس ويظهر إدوارد سنودن وآخرين كثر يتم ترحيلهم بين سجون الدول الغربية.
وفي الحالتين وفي الصراعين تنتفض الأنظمة التي ترسخت حتى أصبحت تظن أن لها حقا إلهيا في حكم الشعوب والتحكم بمصائرها، فتنقض عى محاولات هؤلاء الشباب بأساليب عنف مختلفة بحسب إختلاف المكان، ففي القاهرة تمشي المجنزرات فوق أجساد البشر وفي الغرب يلجأ إدوارد سنودن إلى موسكو هربا من من واشطن ويقبع جوليان آسانغ في سفارة الإكوادور في لندن هربا من مذكرة ترحيل إلى واشنطن.
في القاهرة يستخدم النظام القديم الجديد المحاكم لتعليق محمد مرسي الرئيس المنتخب بإرادة الشعب في المشانق وفي اليونان تجتمع الأنظمة لتأديب شعب اليونان الذي قدم شبابا متمردين على سلطة رأس المال التي راكمت فوقهم أطنانا من ربا الديون وتطالبهم بدفع مليارات هي في الحقيقة تراكمات خدمات المبالغ الأدنى التي اقترضتها اليونان.
مصر أم الدنيا ومسرى هجرات الأنبياء من لدن إبراهيم عليه السلام، واليونان التي تتحدث أحجارها وتتنفس سماءها عبق تاريخ تليد وحضارة إنسانية قديمة قدم الإنسان، هذه الأماكن بالذات ليست مكانا لجماعات متمردة على النظام العالمي الجديد القديم الذي يقرأ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال عدسات ضيقة تسقط دون مستوى مواده الجامعة التي تبدأ بالتأكيد على الحق في الحياة.
منذ الأمس وآلة الإعلام الغربي الضخمة بدأت في ضخ دعاية كثيفة تعاير اليونانيين الذين أصبحوا أول دولة في ( العالم الأول) هكذا !! تعجز عن دفع أقساط ديونها !! بل إن بعض أجهزة هذا الإعلام مضت شوطا بعيدا في معايرة اليونانيين بأن بلدهم أصبح مثل أنقولا والسودان!!
هي ذات اللغة التي سمعناها في مصر ( دول عاوزين يمنعوا الرقص والتمثيل) .. ( يخرب بيتهم دول كانوا حيرجعونا للقرون الوسطى) !!
وحتى يوم الأحد القادم الموعد الذي قطعه أليكسس تسيبراس لإستفتاء شعبه على الرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي والنظام الذي يمثله أو الإصطفاف فوق حصون طروادة دفاعا عن ثورتهم التي بدأوها بإنتخاب حزب يساري في محيط يعج بأسماك القرش الرأسمالية وعالم يحكمه الإقطاع، حتى ذلك اليوم ستكون مهمة الإعلام الغربي هي القضاء على الروح المعنوية للشعب اليوناني وسوقه إلى صناديق الإقتراع كما يساق القطيع لتسليم قائده الشاب بعد تسديد طعنة نجلاء في خاسرته.
ويسقط مرسي آخر.
والمفقود هو المقدرة على مد الجسور بين التيارات التي تخوض هذا الصراع، بين إدوارد سنودن وباسم يوسف، بين أليكسس تسيبراس ومحمد مرسي.
المفقود هو حلف الفضول.