أبو ظبي.. اللعبة الكبرى (1) إريتريا على خطّ النار

نسرين النمر

السودان – إريتريا.. جنرالان وحرب واحدة
تأتي زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، للسودان في توقيت حرج للبلدين؛ فالرجل يعلم أنّ حرب السودان هي حرب المنطقة والإقليم بكامله، وسقوط الخرطوم وأسمرا سيان.
بعض المدن لها دلالاتها التاريخية وذكرياتها، وبورتسودان واحدة منها، وهي ذات المدينة التي شهدت تأسيس جبهة التحرير الإريترية في العام 1958، وقادت بشرف حركة التحرر الإريترية، وصولا إلى استقبال الشعب الإريتري بعد 30 عاما من الاحتراب.
أما الآن، فهي حرب تختلف أدواتها وتتعدد ما بين البلدين، ولكن مشعلها ومموّلها واحد، والمستفيد النهائي منها كذلك.
لم تُخفِ أسمرا وقوفها المعلن مع الدولة السودانية وقيادتها وجيشها الوطني، ولم تتوار خلف شعارات الشجب والإدانة، وديباجات الدبلوماسية في الحفاظ على وحدة السودان ومؤسساته الشرعية، ولم تطالب على حياء دول العدوان بكفّ يدها عن السودان. بل قدّمت ما هو أكبر من ذلك، تقديما يليق بتاريخ شعبها وصموده وتضحياته في حرب التحرير، “إريتريا حفظت الجميل.. والسودانيون سيضاعفونه”.
قبل عام سبق، طويت أخطر مرحلة في “خطة أبو ظبي” بعد أن تهاوت ودُفنت مع الميليشيا والمرتزقة في معركة جبل موية، لتبدأ سلسلة الانتصارات التي دفعت بميليشيا آل دقلو إلى التراجع غربًا.
كانت (الخطة) الخبيثة المحكمة، في جوهرها، تهدف إلى فتح محور تمدّد عبر ولاية القضارف، وصولا إلى الحدود الإثيوبية، بما يتيح تدفّق الإمداد والمرتزقة من الأراضي الإثيوبية. كما استهدفت الخطة الوصول إلى مخازن العتاد العسكري المتمركزة في منطقة سرية لم تعد كذلك الآن، (دبرزاييت) التي عُدّت نقطة ارتكاز محورية في مسار الدعم اللوجيستي للميليشيا.
رغم وجود قاعدة عسكرية ضخمة مزوّدة بأحدث التقنيات والعتاد العسكري، فإنه لا تزال بالمنطقة تهدد أمن السودان وإريتريا والبحر الأحمر..
قصة الموانئ مرة أخرى:
“إن الوصول إلى البحر الأحمر مسألة وجودية وحق تاريخي، وإن الخطأ الذي ارتكبته إثيوبيا بتخلّيها عن عصب سيصحح غدًا”، آبي أحمد.
ولميناء عصب ذات قصة (أبو عمامة) أو (شنعاب) القصة التي لم ترو بعد.. (قصة أبو عمامة والأخوين زايد وقتل الشعب السوداني) سأرويها لاحقا.. إذ أبرمت الإمارات اتفاقية الاستحواذ على ميناء عصب لمدة 30 عاما، شرعت في بناء الميناء وتوسعة مهبط للطائرات، إضافة إلى بناء ثكنات عسكرية ومظلات وسياج حماية أمني متطوّر، قبل أن تُطرد في بداية العام 2021م. كما طُردت قبلا من ميناء (دوراليه) الجيبوتي في عام 2018م، وسبقه إلغاء اليمن لعقد تشغيل ميناء عدن عام 2012م.
أدوات العبث الإماراتي.. المال والعلاقات العسكرية

ما يجري الآن على الأراضي الإثيوبية هو إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية حديثة ومعسكر هو الأضخم من نوعه في إقليم بني شنقول، المتاخم للحدود السودانية، يسع نحو ١٠ آلاف فرد، يشرف عليه الجنرال الإثيوبي (غيتاتشو غودينا)، والتسريبات تتحدّث عن تجميع مرتزقة الدعم السريع، وأخرى من دول الجوار، لتدريبهم على القتال والزج بهم في الحرب.
ترسانة حديثة من الأسلحة المتطورة، على رأسها الطائرات المُسيرة من طراز (Wing Loong) الصينية، وبيرقدار التركية، إضافة إلى افتتاحها مصنع إنتاجها الخاص من الطائرات المسيرة بمساعدة إماراتية في شركة (سكاي وين).
والمعلومات الأخيرة عن توقيعها عقدا لشراء طائرات (SU 35) الروسية بعد حصولها العام السابق على (SU 30) ، وقبلها تمويل منظومات الدفاع الجوي (بانتسير – إس 1) التي نُصبت في محيط سدّ النهضة.
سياسيا، يجتهد السيد آبي أحمد وقائد جيشه (بيرهانو زولا) وبعض الساسة والمثقفين الإثيوبيين في إطلاق التصريحات والحملات الدعائية التي تقود في معظمها الرأي العام الداخلي إلى تبني نظرية الحق الإثيوبي التاريخي المسلوب في ميناء عصب الإريتري، بل ذهب بعضهم إلى وصف الحكومات ما قبل السيد آبي بالخيانة لتفريطهم في هذا الحق.
بموازاة ذلك، نشّطت الإمارات مجموعات (صمود) الإريترية لتخرج في مؤتمرها الأخير بذات النصوص المحفوظة (القيادة تخوض حروبا عبثية).
أمن البحر الأحمر

ما حمل الرئيس الإريتري لزيارة السودان ليس المجاملات ولا إظهار المساندة وروح الإخاء والتأكيد على المصير المشترك، فهذه أمور سبقت زيارته بزمن، واستقرت في ذاكرة الشعب السوداني.
فما حمله مِن ملفات للسودان هو ذات ما حمل الأمير محمد بن سلمان لزيارة أمريكا، إنه عبث وفوضى نظام أبو ظبي بأمن المنطقة الذي بلغ حدًّا لا يمكن السكوت عنه أو غض الطرف عنه، ويبدو أنها ماضية في مغامرتها وعناد شيطانها في حرب السودان؛ فالخسارة هنا تعني انهيار مشروعها وطموحاتها غير المشروعة بالكامل.
سيُخطئ السيد آبي أحمد إن مضى في هذا المخطط الذي لن تنجو منه إثيوبيا أولا؛ فالبيت الداخلي أوهن من أن يحتمل توترات (الأورومو) جنوبا ولا (الفانو) غربا أو (التيجراي) شمالا، وما بينها كثير.
وألا ينخدع بدعاية نظام أبو ظبي المتهور، ولا سفيرها لدى أديس أبابا السيد الراشدي “بحرص الإمارات على العلاقات الاستراتيجية مع إثيوبيا وبوقوفهم في كل خطوة نحو التنمية”، فآخر ما يُفكّر فيه نظام أبو ظبي هو التنمية والاستقرار، وآخر همهم هو كائن يُدعى الإنسان ذبحوه وانتهكوا عرضه واغتصبوا أرضه في الجنينة وود النورة والصالحة، ومجازر فاشر السلطان.
أرجو أن تكونوا شاهدتم فصولها، فهي مبذولة على شاشات الإعلام، أو سمعتم عنها، قبل أن تتبدل أسماء المدن والأقاليم بأخرى.
وأقتبس من تولستوي – الحرب والسلام: “العدوان طريقٌ قصير يفضي إلى الهاوية؛ إذ يبدأ بظفرٍ عابر وينتهي بخسارةٍ لا شفاء منها”.

Exit mobile version