رأي

يسألونك عن الانتخابات الايفوارية…

بقلم السفير عبد المحمود عبد الحليم 

هشاشة الاوضاع السياسية فى العديد من دول القارة الأفريقية وضعف البنيات التمثيلية والقوام الديموقراطي فيها جعل المواسم الانتخابية بهذه الدول سانحة لاستثارة النعرات والخلافات والعنف، وظل المراقبون يضعون اياديهم على قلوبهم مع كل إعلان عن انتخابات او نتائجها على شاكلة التوتر والتخوف الذي أحاط بانتخابات كوت ديفوار فى ٢٥ اكتوبر الحالي والتى يتوقع إعلان نتائجها فى غضون أيام قلائل، واذا كانت القارة الإفريقية تأمل ان تحقق مبادرة إسكات اصوات البنادق أهدافها بحلول عام ٢٠٢٠ قبل تمديدها إلى عام ٢٠٣٠ فانه من الواضح أن افريقيا سوف تنتظر طويلاً إسكات اصوات بنادقها مادام هاجس عنف مواسم الانتخابات قائماً و وارداً….ولابد لافريقيا ازاء ذلك ان تحصن تجربتها باغلاق نوافذ التهرب من تحديد فترات الرئاسة وتجنب اضعاف المحاكم الدستورية واضعاف استقلال اللجان والهيئات المعنية بادارة الانتخابات….

نالت انتخابات الكوت ديفوار اهتماما محليا واقليميا ودوليا، فالبلاد من أقطار القارة الأفريقية الهامة وهى كذلك فى محيطها الاقليمى ، وهى من بين اسرع الاقتصادات نمواً فى المنطقة وأكبر منتج للكاكاو عالمياً وللبن وزيت النخيل ، وتسجل تعافيا اقتصاديا ملحوظا ونجاحا فى جذب الاستثمارات ،وهى بذلك قوة اقتصادية لدفع عجلة التنمية ومحرك للتكامل الإقليمي ولاعب كذلك فى جهود مواجهة التحديات الاقليمية والعالمية ، وعلاوة على ذلك فإن مبعث الاهتمام بتطوراتها تأتى على خلفية ماشهدته البلاد من احداث جسام وحروب اهلية فى الانتخابات السابقة ، وقد نشرت الحكومة ٤٤ الفاً من عناصر قوات الأمن ، كما افتتحت اكثر من ٢٥ الفا مكتب تصويت بينما تشارك فى مراقبة الانتخابات ٦٤ منظمة وهيئةوفى مقدمتها الاتحاد الأفريقي وايكواس عبر بعثة قوامها ٢٠٠ مراقب يرأسها الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان..وشارك فى الانتخابات التى جرت وسط اجراءات أمنية مشددة واحتجاجات متفرقة بيامسكرو ومدن أخرى رغم الحظر المفروض على المظاهرات اكثر من ٨ ملايين ناخب مسجل، ومن بين ٦٠ طلباً للترشح تمت اجازة واعتماد خمسة مرشحين فقط حيث تصدر السباق الرئاسي الرئيس الحالي الحسن واتارا مرشح “تجمع الهوفويتيين من أجل الديمقراطية والسلام ” مستنداً على مايقرب من ١٥ عاما ًمن الاستقرار والنمو الاقتصادي وقال انه يلبى فى فترته الرابعة والأخيرة نداء العديد من الايفواريين لمواصلة ذلك المسار، وتقول حملة أوتارا ان الولاية الرابعة سوف تركز على جذب الاستثمارات الخارجية لتوفير فرص عمل لنحو ٤٠٠ ألف خريج سنويا ، بينما ترى المعارضة فى ترشيحه خرقا للدستور رغم قرار المجلس الدستوري عام ٢٠٢٠ الذي اعتبر أن دستور عام ٢٠١٦ أعاد احتساب عدد الولايات الرئاسية من جديد، وتنافس واتارا السيدة الأولى السابقة سيمون غباغبو مرشحة ” حركة الأجيال القادرة ” رافعة شعار المصالحة الوطنية واعادة دمج المنفيين والاستقلال النقدى عبر الاستعاضة عن الفرنك الأفريقي بعملة اقليمية، وتدعم المرشحة دول تحالف الساحل وتتبنى خطابا اجتماعياً وديمقراطياً، كما ترشح المرشح المستقل والقيادي السابق فى حزب الشعوب الافريقية اهوا دون ميلو منادياً بإصلاحات دستورية وتوسيع المشاركة السياسية ، اما أصغر المرشحين فهو جان لويس بيلون وزير التجارة السابق عن حزب المؤتمر الديمقراطي والذى ينظر لترشيحه كرغبة وتطلع لتجديد النخبة السياسي وضخ دماء جديدة فيها ،ويقف المرشح داعما للقطاع الخاص وتحفيز الاستثمار ، وهناك أيضا المرشحة السابقةلرئاسية ٢٠١٥ هنريت لاغو التي تخاطب شرائح النساء و الشباب وتربط ذلك التفاعل بقضايا معيشية وبضرورات توسيع شبكات الأمان الاجتماعي….ولئن كان هؤلاء اقل شهرة من الرئيس الحالي فقد تم رفض ترشيحات العيار الثقيل كطلب الرئيس السابق لوران غباغبو زعيم حزب الشعوب الافريقية والذي تقدم بشكوى للجنة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب طاعناً فى ماتعرض له من إقصاء إلا ان اللجنة لم تسنده وتدعم طلبه لأسباب متعلقة بأحكام وادانة قضائية سابقة ، وحرم كذلك القيادي تيجان تيام رئيس حزب الديمقراطيون لجنسيته الفرنسية …..وسوف تتم جولة اعادة للمتصدرين فى حالة عدم الحصول على اكثر من ٥٠ بالمئة ، وفى الوقت الذى يتحدث فيه إعلام الرئيس واتارا عن استقرار وتنمية واعادة تموضع ايجابى لمركز البلاد فى اقليم ينوء بالصراعات والتغيرات غير الدستورية وصراعات القوى الكبرى والاقليمية وملامسة البلاد لاخطار التنظيمات المتطرفة بمنطقة الساحل فان دوائر واعلام المعارضة يرى ان التنمية غير حقيقية اذ لاتصل للجماهير وان البلاد قد أرهقت وناء كاهلها بقروض المؤسسات الدولية ..وقد بدأت لجنة الانتخابات فى إعلان النتائج الأولية التى وصلتها من المراكز الخارجية ولوحظ فيها كماهو متوقع تقدم الرئيس الحسن واتارا فى خمس محطات هى جمهورية الكونغو والقابون وانقولا وإسبانيا وجنوب أفريقيا وبنسب عالية …من جهة أخرى أقر المرشح الرئاسي جان لويس وزير التجارة السابق بهزيمته امام واتارا….اما الاخير فانه ومع ضمان اكتساحه للسباق يقرأ جيدا ارقام وإحصاءات النتائج ومغزاها ليتبين الرسالة التي أراد الشعب ايصالها له وهو يحصل على الفترة الرابعة التى سعى اليها بين شد وجذب….وكماهو حال ردود الفعل ازاء نتائج الانتخابات فى العديد من دول القارة الأفريقية فان الاطراف الفائزة سوف تتحدث عن نسب المشاركة الواسعة بينما تسعى الخاسرة الى تقزيم ذلك…..

لم يكن التوتر والمخاوف التى احاطت بانتخابات الكوت ديفوار استثناء…فلاتخلو المشاهد الراهنة للانتخابات الافريقية من استدعاء ذاكرة لعنف انتخابي سابق لا مكان فيه لتصالح مع بواعث ومحفزات الامن والاستقرار..وبدلاً من ان تكون الانتخابات مناسبة سارة للتبادل السلمى للسلطة ظل استخدام صناديق الذخيرة بدلا عن صناديق الاقتراع امراً شائعاً بمافى ذلك فى الكوت ديفوار ذاتها….ولئن كان من المأمول ان تعكس نتائج الانتخابات الايفوارية قدرة نظامها الحاكم والمعارضة على ادارة
التوازنات بين شرعية المكتسبات والاستمرارية وانهاء الإقصاء ، أو المعادلة بين الاستحقاقين القانوني والسياسي وجعل الاقتراع ترتيبا لاعادة بناء الثقة الوطنية فان النخب السياسية الايفورية أحوج ماتكون لابتدار حوار وطنى فى بلد لم يعرف عنه اى تداول سلمى للسلطة منذ عام ١٩٩٥ خاصة مع سطوة وهيمنة الرئاسة التي يمنحها الدستور صلاحيات كبيرة ، ويبدو الحوار هاما وضروريا ليس فقط للاتفاق على قواعد اللعبة السياسية والتداول السلمى للسلطة بل ايضا لتحقيق التعافى الوطني ومعالجة الشروخ التي أحدثها صراع النخب السياسية على علاقات شمال وجنوب القطر وتأثر علاقاته ببوركينا فاسو وتبعات ذلك على مجمل علاقات كوت ديفوار بدول الساحل ،وتعود جذور واتارا إلى الشمال، وكان الرئيس البوركيني السابق بليز كومباورى قد قام بمبادرة تعافي وطني بكوت ديفوار عام ٢٠٠٧ ..
أبدى تقرير لمجلس الأمن مؤخرا عن الانزعاج ازاء انزلاق مايقارب ٧٠ في المائة من النزاعات التى تم حلها لدائرة العنف مرة اخرى وعودتها بصورة اعنف ،وجاءت الحوادث التى تلازم الانتخابات فى المقدمة ولعل ذلك مايستوجب التنسيق الدولي والإقليمي وتبادل التجارب وتحصين عمليات اجراء الانتخابات حتى تكون عنصرا هاما لتحقيق السلام والاستقرار ورافعة ايجابية لذلك..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى