رأي

من جراح الفاشر ستولد العزة من جديد

هبة محمود صادق فريد

و ما هى إلا غيمة حزنٍ عابرة تمطر بطولةً واستبسالاً وكرامةً، فالفاشر، تلك المدينة الصامدة على حافة الوجع، لم تسقط إلا بجسدها، أما روحها فما زالت شامخة، تقاوم الموت بالحياة، والانكسار بالعزة، والدمع بالعهد.

ما جرى في الفاشر ليس نهاية الطريق، بل بداية فصلٍ جديد في قصة وطنٍ لا يركع، وشعبٍ لا يموت مهما طال الليل.

الفاشر اليوم تبكي شهداءها، وتُضمِّد جراحها بترابها، لكن بين الدمار ينبض قلبٌ من إيمانٍ وصبرٍ وعزيمة، يهمس بأن السودان ما زال حياً، وأن كل غيمةٍ سوداء لا بد أن تنقشع، ولو بعد حين.

اللهم لا حول و لا قوة إلا بك ….

سقوط مدينة الفاشر ليس مجرد حدث عابر في نشرات الأخبار، بل هو زلزال يهز وجدان كل سوداني، جرح في قلب الوطن، ودمعة في عين كل من يعرف معنى السودان ومعنى الفاشر، هذه المدينة التي كانت رمزاً للصمود، وصوتاً للحياة رغم كل الجراح.

‎ما جرى بالأمس ليس فقط خسارة مدينة، بل خسارة لجزء من الروح السودانية — لتاريخها،

ولناسها، ولذاك الأمل الذي كان

لا يزال يقاوم تحت الركام

كم هو موجع أن نشهد مدناً كانت عامرة بالأهل والضحك والأسواق والدفء، تتحول إلى أطلال، وإلى صدى لأنين النازحين والمفقودين والمقهورين.

‎نحزن، نعم… نحزن لأننا عجزنا عن حماية أرضنا وأهلنا، ولأننا تركنا الخلافات تسرق منّا وطننا

قطعة قطعة. نحزن لأن الفاشر التي كانت يوماً درة دارفور أصبحت اليوم عنواناً للألم والفقد، شاهدة على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.

‎نغضب، نعم… نغضب لأن هذا

السقوط لم يكن قدراً مفاجئاً، بل نتيجة خذلان طويل، وسكوت ممتد، وتنازع داخلي مزّق الصفوف حتى أصبحنا غنيمة لأطماع لا ترحم.

‎ونترحم بكل حزن على شهدائنا

الأبرار الذين رووا بدمائهم تراب الفاشر والسودان كله، رجال ونساء، مدنيين وعسكريين، قاوموا حتى آخر لحظة، ووقفوا دفاعاً عن شرف الوطن وكرامته. نسأل الله أن يتقبلهم في عليين، وأن يجعل مثواهم الجنة، وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان.

‎ونُحيي صمود الجيش السوداني

والقوات المشتركة والمستنفَرين من أبناء الشعب، أولئك الذين وقفوا في وجه آلة الدمار رغم قلة العتاد وكثرة التحديات. صمودهم شرفٌ للأمة، وعزيمةٌ تذكّرنا أن في السودان رجالاً لا يبيعون أرضهم ولا يخذلون عهدهم، وأن جذوة المقاومة لم ولن تنطفئ.

‎وليعلم الجميع أننا لن ننسى المجازر والانتهاكات التي ارتُكبت

بحق الأبرياء في الفاشر وفي كل بقاع السودان، ولن يُمحى من ذاكرتنا ما فعلته قوات الدعم السريع ومَن والاهم من قتل وتشريد ونهب وخراب.

‎ولن يغفر التاريخ لكل من دعمهم أو موّلهم أو برّر لهم، لأن من

يشارك في الظلم شريكٌ في الجريمة، ومن يصمت عن الباطل يرضى به. الشعب السوداني لن ينسى، ولن يقبل أن يُفرض عليه من لوّثت يداه بالدماء.

‎ومع كل هذا السواد، يبقى فينا شيء لا يُهزم: الإيمان بأن

السودان لا يموت، وأن الفاشر ستنهض يوماً كما نهضت من قبل، وأن الله لا يخذل من صدق النية وعمل للحق.

‎اللهم ارحم أهل الفاشر، وكن مع الضعفاء والمشردين والمكلوم

‎اللهم أجبر كسر قلوبنا، واغفر

لنا تقصيرنا،

‎اللهم أبدل هذا السواد نوراً، و

الألم أملاً، وهذا الغضب قوةً للحق لا للانتقام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى