من بدوي إلى رئيس.. قراءة في سيرة كاكا (5 -5)

فيما أرى

عادل الباز

 

1

لازلنا نواصل الإبحار في صفحات كتاب الرئيس كاكا (من بدوي إلى رئيس) الذي فاض بالأكاذيب، وكنا قد استعرضنا في الحلقة الأولى من سلسلة المقالات موقف الرئيس كاكا في الفساد الذي ينخر نظامه ثم عرضنا موقفه من والده والحرس القديم وفي الحلقة الأخيرة رأينا حالة الإنكار الذي تلبسته حين أنكر أي صلة له بتمرد حميدتي ونفى دعمه له رغم كل الشواهد الماثلة والتي أثبتتها تقارير الأمم المتحدة وتقارير كل الدنيا، هو وحده الذي لا يرى.. ليس لأنه أعمى ولكن لأن غيوم الرشاوى الإماراتية قد عصبت عينيه. وقد رأينا في الحلقة الرابعة كيف يتهم السودان بدعم حركة فرولينا التشادية مع أنها إحدى أهم حركات التحرر الأفريقية. الآن في هذه الحلقة ننظر في حالة الإنكار التي مافارقته في كل صفحات الكتاب.

2

يقول الرئيس التشادي في كتابه إن تشاد (لم تستضف قط تمرداً ضد السودان). هكذا قد ينكر الرئيس الأعمى ضوء الشمس من رمد سياسي. كل من يقرأ في كتاب الصراع التشادي/ التشادي/ التشادي السوداني يرى بوضوح كيف ظلت تشاد منطلقاً لكل حركات التمرد على السودان مما سبب توتراً دائماً في العلاقات بين البلدين. والصحيح أن تدخلات السودان في الشأن التشادي كان دائماً رد فعل للمواقف التشادية وتدخلاتها المستمرة في القضايا السياسية الداخلية للسودان.

3

أنقل إليكم ما كتبه الكاتب التشادي محمد علي تورشين: العلاقات السودانية – التشادية: (ماضيها حاضرها ومستقبلها) ملخصا تاريخ العلاقات السودانية في فترة ما بعد الاستقلال إلى عهد الإنقاذ (شهد السودان عدد من الحكومات في الستينات كانت فترة حكم ( عبود _ سر الختم خليفة _ المحجوب _ المهدي _ نميري) وفي هذه الحقبة نستطيع أن نقول إن العلاقات كانت عادية وفاترة باعتبار أن الفترة التي أعقبت الاستقلال كان التوجه توجه عروبي. مهتم بمنطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية أكثر من اهتمامه بأفريقيا ودول الجوار الأفريقي ودول غرب افريقيا.

أما حقبة السبعينيات والثمانينات لم تغيير سياسة السودان الخارجية وإنما ظلت تتجه شرقاً وكان الجنرال نميري لديه علاقات مميزة بالنظام المصري والليبي لتشابه الخلفية العسكرية للرؤساء الثلاث رغم ذلك نجد أن شعبيا تأثر المجتمع الدارفوري كثيراً بالحرب التشادية الليبية (1978_1987) مما أدى إلى مشاركة عدد من شباب القبائل المشتركة بين البلدين لنصرة النظام التشادي.

بعد وصول نظام الإنقاذ أو حكومة المؤتمر الوطني للحكم في السودان في 1989 عن طريق انقلاب عسكري سعت إلى تصدير الثورة أو تصدير المد الإسلامي إلى الخارج لذا دعمت وساندت الجبهة الوطنية للإنقاذ بقيادة إدريس ديبي في السودان وشارك عدد كبير من أبناء القبائل الحدودية في المعارك ضد نظام حسين حبري حتى تمكن إدريس ديبي الذي ينتمي إلى الزغاوة في الانقلاب على السلطة في انجمينا (1990) وهرب الرئيس حسين حبري إلى السنغال بفضل دعم ومساندة من النظام في الخرطوم وباعتبار أن ذلك يشكل فاتحة خير لمشروع تصدير الثورة والمد الإسلامي إلى الخارج وهو المشروع الذي حاولت الإنقاذ تطبيقه في عدد من الدول المجاورة.

4

وتشاد أخذت منعطف مهم جداً باندلاع الصراع المسلح في دارفور أو بعد بزوغ حركات التحرر الثوري في دارفور في مطلع 2003 والتي أعقبتها حقبة متوترة في العلاقات السودانية التشادية إذ أنه بالرغم من أن الخرطوم أهم داعم للنظام في تشاد إلا أنه بدأ في دعم المجموعات المسلحة وتحديداً حركة العدل والمساواة السودانية حيث وفر لها غطاءً سياسياً وغطاءً دبلوماسياً. وكذلك تعامل النظام السوداني بالمثل ودعم وساند الحركات الثورية في تشاد وأصبحت تشاد ملاذ آمن لعدد كبير جداً من اللاجئين وهم موجودون حتى الآن في معسكرات حوالي مليون لاجئ. دعم ومساندة تشاد لحركة العدل والمساواة تمخضت عنه عملية الذراع الطويل (2008) حتى توغلت في قلب مدينة أمدرمان وكانت قواتها على مشارف القصر الجمهوري) .

5

يتضح من هذا الاستعراض أن تدخل السودان الوحيد منذ الاستقلال كان في حالتين فقط الأولى دعم جبهة فرولينا في الستينيات وهي جبهة تحرير والثانية في عهد الإنقاذ جاءت كرد فعل على تدخلات مستمرة ودعم للحركات المتمردة على الدولة. وظل السودان بعيد عن صراعات تشاد الإقليمية مع ليبيا ولم تدخل في صراعات تشاد الخارجية أبداً.

نختم بهذه الحلقة استعراض كتاب كاكا الذي هو جدير بالقراءة رغم أنه فاض بالأكاذيب ونقص مريع في المعلومات التاريخية وهي أمور لا تليق برئيس، يحتوي الكتاب على كثير من الطرائف والمواقف كما شمل السيرة العجيبة لرئيس يتآمر علناً على الدول ويرعى الفساد ويصعد على أكتاف الاستعمار الحديث ويتلقى الرشاوى من الدول الأجنبية ويلغ في دماء رفاقه وهو متهم بقطف روح والده الذي صنعه بيديه وتحت عينه.!!

Exit mobile version