ما العمل إذا أظلمت المهاجر؟

فيما أرى
عادل الباز
1
لا يزال السؤال الذي طرحته بعد اشتعال حرب الخليج قائمًا:
ماذا سنفعل؟ وإلى أي مكان نتجه وقد أُغلقت الأبواب في وجوهنا؟ ما هي مصادر الدخل التي سنعتمد عليها؟
خاصة أن أكثر من 70% من السودانيين يعتمدون حاليًا على تحويلات ذويهم المقيمين في الخليج.
ومع تصاعد النزوح بعد حرب الجنجويد الأخيرة، ارتفعت معدلات الهجرة واللجوء إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تجاوز عدد المهاجرين أكثر من ثلاثة ملايين.
في مصر وحدها، يعيش الآن أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ ومهاجر سوداني.
هؤلاء فقدوا مصادر دخلهم بالكامل، وأصبحوا يعتمدون كليًا على أقاربهم العاملين في الخارج، خصوصًا في الخليج. لذا، فإن اندلاع حرب شاملة هناك من شأنه أن يؤزم الأوضاع الاقتصادية للجاليات السودانية بالخارج، التي تتحمل عبء إعالة الداخل والخارج معًا.
تشير بيانات البنك الدولي إلى أن التحويلات إلى السودان في عام 2023 بلغت نحو مليار دولار، بينما تقدّر بعض المصادر المحلية أنها ارتفعت إلى 4 مليارات دولار بعد اندلاع الحرب.
هذه التحويلات هي الرئة التي يتنفس بها الاقتصاد السوداني، وأي اضطراب في الخليج سيُضعفها أو يوقفها تمامًا.
وهو رقم ضخم، يعكس عمق الاعتماد على الخارج، ومدى هشاشة الداخل.
2
أي اضطراب في أمن الخليج، خاصة في دول مثل السعودية، والإمارات، وقطر، سيؤدي إلى:
• توقف التحويلات المالية، ما يفاقم أزمة النقد الأجنبي.
• تقليص فرص العمل، وما يتبعه من إنهاء عقود وترحيل جماعي محتمل.
• ضغط إضافي على سوق العمل السوداني، الذي يعجز أصلًا عن استيعاب العائدين.
• ارتفاع التضخم وتدهور الجنيه السوداني بشكل أسرع في ظل غياب تدفقات مستقرة.
• تعطل سلاسل الإمداد عبر البحر الأحمر والخليج، ما يهدد وصول الوقود والدواء والقمح.
ومع تصاعد الحرب وامتدادها داخل حدود دول الخليج، من المرجّح صدور قرارات أمنية مفاجئة تمس الجاليات، وقد تؤدي إلى الترحيل أو تقليص أعدادهم لأسباب تتعلق بالأمن القومي لهذه الدول..
٣
لا شك أننا نعيش لحظة خطرة وحساسة في تاريخنا.
فأي تصعيد عسكري في الخليج جديد لن يكون بعيدًا عن بلادنا، سواء على مستوى الدولة أو المواطن أو المهاجرين. ولهذا، فإن كثيرًا من السودانيين كانوا ينظرون إلى ما جرى بين إيران وإسرائيل باعتباره تهديدًا مباشرًا لأمنهم ومستقبلهم، لا مجرد أزمة إقليمية بعيدة.
إنها لحظة فارقة لا تحتمل الغفلة ولا الانتظار.
فإذا كانت المهاجر مهددة، والمصادر تنضب، والدعم يترنّح فوق أرضٍ ملتهبة، فعلينا أن نسأل أنفسنا بجدية وجرأة: هل نملك خطة وطنية تحمي مواطنينا في الخارج؟ هل أعددنا بدائل اقتصادية حقيقية إذا جفّ نبع التحويلات؟
أم أننا سنبقى نعيش على الحافة، ننتظر قدر الآخرين ليسحبنا معه إلى قاع أزماتهم؟
إذا اشتعل الخليج مرة اخرى فلن يُحرقنا اللهب وحده… بل ستحترق معه أوهام الاعتماد على الغير، وستنكشف هشاشة الدولة، ويزداد عجزنا عن حماية أبنائنا في الداخل والخارج.
فإما أن نستبق العاصفة بخطة، أو سنُبتلع معها بلا أثر