“ليسوا ضيوفا بل إخوة: السودانيون في حياتنا”

علي حمد المري
ليست الصداقات الحقيقية مجرد علاقات عابرة أو مجاملات اجتماعية، بل هي انعكاس لالتقاء الأرواح والقلوب في مساحة من الاحترام والثقة والصدق. ومن بين الشعوب التي جمعتني بها الحياة، وتشرّفت بالتعرف على أفرادها، يظل الشعب السوداني في مكانة خاصة لديّ، مكانة لا تصنعها المصادفة بل تفرضها الأخلاق، وتكرّسها التجربة.
عرفتُ السودانيين أول مرة في محيط العمل والدراسة، ثم امتدت العلاقة لتصبح صداقة ورفقة وثقة. لم يكونوا فقط زملاء أو معارف، بل إخوةٌ في المواقف، ونِعم الرفقة في الأوقات الصعبة واللحظات الإنسانية الرفيعة.
ما يلفت النظر في السودانيين منذ اللقاء الأول هو الاحترام. فهم لا يتعاملون بتكلّف، ولا يتحدثون بصوت مرتفع، لكنهم يزرعون الطمأنينة في قلب من يتحدث إليهم. لغتهم مهذبة، ونبرة صوتهم وديعة، وتعاملهم ينبع من عمق تربوي وإنساني لا يمكن أن تخطئه العين.
والأمانة، تلك القيمة التي نفتقدها في كثير من المجتمعات، تجدها متجذّرة في ضمير السوداني، لا يتنازل عنها مهما تغيرت الظروف. جرب أن تعهد له بأمر، أو تضع في يده أمانة، فستجد نفسك مطمئنًا كأنك تركتها مع أخيك من أمك وأبيك.
ثم هناك الكرامة وعزة النفس، لا تخطئها إن تعاملت مع سوداني. فهو يعتز بنفسه وبوطنه، ولا يقبل الإهانة أو المذلة، ولكنه في الوقت نفسه متواضع، لا يتعالى، ولا يستعرض، بل يسير في الأرض هينًا لينًا، متسلحًا بالعلم والعمل، لا بالضجيج أو العناوين.
لقد لمستُ في السودانيين صدقًا في المشاعر، ووفاءً نادرًا في العلاقات. لا ينسون المعروف، ولا يخونون الثقة، بل يحيطونك بدفء إنساني يجعلك تشعر بأنك فرد من عائلتهم، حتى وإن كنت غريبًا عنهم في الدم والجغرافيا.
ولعل أجمل ما في الشعب السوداني هو بساطته العميقة. بساطة لا تعني قلة وعي، بل صفاء نفس، ونقاء سريرة. تجده يفرح بأبسط الأمور، ويحزن لحزنك وكأنك أخ له، ويجتهد ليسعد من حوله ولو على حساب راحته.
وعلى مستوى القيم، يكفي أن تنظر في طريقة تعامل السودانيين مع كبار السن، أو احترامهم للمرأة، أو حرصهم على الدين والتقاليد، لتدرك أن هذا شعب يعيش بقلبه قبل عقله، ويحترم الإنسان لأنه إنسان.
وفي قطر، نرى هذا الجانب يوميًا. في الشوارع، في المؤسسات، في الجامعات، وفي علاقات السودانيين بزملائهم. هم لا يطلبون التقدير، لكنهم يستحقونه. لا يفتعلون المواقف، لكنهم يظهرون وقت الشدّة. وهم لا يسعون للضوء، بل يشعّون منه.
أقول هذا من موقع التجربة لا المجاملة، ومن قلب ممتن لا من حسابات العلاقات العامة. لقد تعلّمت من أصدقائي السودانيين الكثير: كيف يكون الصبر، كيف تكون الحكمة، كيف يكون المرء إنسانًا في زمن قلّ فيه الإنسان.
وفي عالم مضطرب بالانقسامات والصراعات، يمثل السودانيون نموذجًا لشعب يعرف كيف يكون قويًا دون عنف، كريمًا دون إسراف، متواضعًا دون ضعف. وهو ما يجعل علاقتنا بهم، نحن القطريين، علاقة أخوة حقيقية لا تشوبها مصلحة ولا تحكمها لحظة.
ختامًا، لست وحدي من يشعر بذلك، فكل من اقترب من السودانيين يعرف أن الحديث عنهم ليس مجرد إعجاب، بل احترام صادق ينبع من القلب. فشكرًا لكل سوداني جعل من الأخلاق أسلوب حياة، ومن القيم هوية، ومن الإنسانية قاعدة لكل تعامل. أنتم أكثر من أصدقاء… أنتم إخوة