لقاء البرهان والسيسي .. أفكار أولى حول تباين البيانين الصادرين عن الخرطوم والقاهرة!

أحمد شموخ
عندما سارع مجلس السيادة إلى إصدار بيانه حول لقاء البرهان والسيسي قبل صدور البيان المصري، بدا واضحًا أن الخرطوم أرادت استباق القاهرة وقطع الطريق على أي سردية تفصيلية قد تُقحم السودان في التزامات سابقة لأوانها.
جاء البيان السوداني عامًا، بلا ذكر للرباعية أو لأي مواقف مشتركة محددة، بينما تأخر البيان المصري ليحمل صياغة كثيفة بالمواقف المسبقة والموجهة نحو الإقليم والغرب معًا استباقاً لاجتماع الرُباعية القادم في واشنطون خلال هذا الشهر.
هذا التباين في اللغة والتوقيت بين البيانين وفي هذا السياق يشير إلى تبادل أدوار محسوب بين الخرطوم والقاهرة وفق أولويات مشتركة كان على البيان المصري تجديد ذكرها في تأكيد الرئيس السيسي على:
جدّد الرئيس السيسي التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه السودان، مشدداً على دعم مصر الكامل لوحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه، ورفضها القاطع لأي محاولات من شأنها تهديد أمنه أو النيل من تماسكه الوطني أو تشكيل أي كيانات حكم موازية للحكومة السودانية الشرعية.
تناول اللقاء أهمية الآلية الرباعية كمظلة للسعي لتسوية الأزمة السودانية، ووقف الحرب، وتحقيق الاستقرار المطلوب، حيث أعرب الرئيسان عن التطلع لأن يسفر اجتماع الآلية الرباعية الذي سوف يعقد في واشنطن خلال شهر أكتوبر الجاري عن نتائج ملموسة بغية التوصل لوقف الحرب وتسوية الأزمة.
لذلك فإن الهدف المشترك لهذا اللقاء هو تفادي الاصطدام بالرباعية دون خسارة التواصل مع واشنطن، في محاولة لإدارة ميدان معركة دبلوماسية جديدة تفرضها أبوظبي عبر أدواتها غير العسكرية.
في المقابل، تبدو أبوظبي الخاسر الأكبر حتى الآن في رهانها على الضغط الدولي على الحكومة السودانية لفرض وقفٍ لإطلاق النار يمنح مليشياتها مهلة لإعادة التموضع والتنظيم وتعويض منظومات الدفاع الجوي التي دمّرها الجيش حول الفاشر وإعادة بناء التحصينات في نيالا وغيرها، فشل سلطة أبوظبي استمر لأكثر من شهر منذ بيان الرباعية السابق.
سلطة أبوظبي ومليشياتها لا تملكان الوقت الذي يبدو أن السودان يسعى لكسبه. فمع الفشل الميداني المتكرر، وافتقار مليشيات أبوظبي للكفاءة العسكرية والقتالية بسبب فقدانها للقيادة الوسيطة والعليا المحترفة والمدربة في المعارك، وذلك رغم الجسور الجوية المفتوحة من مختلف مطارات العالم إلى الكُفرة وتشاد، كل هذا أمام تعاظم الكفاءة القتالية والعسكرية واللوجستية للجيش بمتوالية أُسّية وبموارد محدودة.
تشير تقديرات مراقبين إلى أن المليشيات تلقت ما يقارب ثلاثمئة رحلة دعم لوجستي جوي خلال ثلاثة أشهر فقط، محمّلة بمسيّرات وذخائر وأنظمة دفاع جوي ومرتزقة لتشغيلها. ومع ذلك، لم يتحقق أي اختراق ميداني يُذكَر، بل إن هذا الفشل الميداني المتراكم سيُحوِّل تلك الإمدادات إلى تهديدٍ أوسع لاستقرار القارة بأكملها، بعدما صنعت أبوظبي سوقًا مفتوحة للمرتزقة والسلاح والمليشيات سيظل يهدد أمن دول المنطقة ومجتمعاتها لسنوات قادمة.
ومع تزايد الضغط الدولي غير الرسمي على سلطة أبوظبي، يبدو أن إدارة ترامب لن تستطيع تجاهل السلوك التخريبي لأبوظبي في السودان وافريقيا وعبثها بأمن مناطق تمثل اهتمام اقتصادي وسياسي لواشنطن طويلاً، خاصةً مع استعادة مصر – الحليف الاستراتيجي للسودان – لثقلها الجيوسياسي التاريخي تدريجيًا في المعادلة الإقليمية، بما قد يعيد ترتيب موازين التحالفات في المنطقة من جديد.
هذا والله أعلم



