رأي

لغة الخطاب

 أحمد شموخ

شكراً لقناتي العربية والحدث على أن الرسالة بدأت تصل -ولو جزئياً- حول عدم مقبولية وصف قيادات مليشيات أبوظبي الإرهابية بصفات رسمية، في مقابل شاغلي الجهاز السياسي والبيروقراطي للدولة السودانية.

في تغطيتهم الأخيرة، وصفوا الجنجويدي الهادي إدريس بـ”قيادي”، وهي استجابة جيّدة يجب أن تستمر نحو تصحيح اللغة وخطاب التغطية. وعقبال ما توصل الرسالة لناس الشرق كمان!، ويصبحوا كلهم ملتزمين بعدم العبث بمصالح السودان العليا في وحدته وحماية أمنه القومي، وبموقف وزارة خارجية المملكة العربية السعودية الشقيقة الصادر في فبراير ٢٠٢٥ حول رفض تكوين أي حكومة موازية.

‏تثبيت هذه الحساسية في التعامل مع اللغة الإعلامية واجب وطني وليس تهجّم أو استهداف، فالسودان مهدد في وجوده وبقاء شعبه العريق على أرضه. حماية السردية الوطنية ليست مجرد معركة لغة ورمزيات، بل هي إحدى أدوات ترجمة التضحيات العسكرية إلى مكاسب صلبة، في مواجهة المشروع الإماراتي لتفكيك السودان عبر أدواته من المليشيات والإعلاميين والواجهات السياسية التابعة.

حينما تمنح أي قناة أو منصة أو وسيلة إعلام هؤلاء المرتزقة صفة “حكام” أو “مسؤولين” أو “قيادات إقليمية”، فذلك يعد استجابة مباشر وتهاون -واعي أو غير واعي لا يهم- مع مشروع الغزو الإماراتي الذي يستهدف تقسيم السودان بهندسة سلطات بديلة في اطار مخطط اعادة هندسة سياسية وجغرافية وديمغرافية لمعظم دول المنطقة، والبداية بالصورة الذهنية وبتثبيت سرديته أن مرتزقته إن تم طردهم من وسط السودان وعاصمته، فهم عائدون!

‏نظام أبوظبي يستثمر في الحرب الإعلامية مثلما يستثمر في الطائرات المسيرة وأنظمة الدفاع الجوي المهربة إلى دارفور. ومثلما يُواجه في الميدان ويُهزم على الأرض، يجب أن يُواجه كذلك في ساحة الخطاب والسردية، ويجب التعامل مع كل صفة هي حكر للدولة تُمنح لأحد الجنجويد بمثابة عدوان على وحدة السودان واستقلاله.

‏لا يكفي أن ننتصر عسكرياً؛ الانتصار الكامل يشترط أيضاً أن نفرض مفرداتنا وسرديتنا، ونمنع الشرعنة الإعلامية لقادة الغزو والاحتلال، ونحرج كل من يحاول تسويق مشاريع التقسيم والتواطؤ معها، وإلا ما المعنى لأن تخرج وسيلة إعلام بخبر عن الجنجويد فارس النور أو مبروك مبارك سليم، وذات وسيلة الاعلام مقرّها ومكتبها تحميه الحكومة السودانية.

‏في معركة مثل التي يخوضها السودان اليوم، كل مفردة إعلامية إما أن تكون ذخيرة في صف السيادة، أو اختراق في صف الدولة. والمطلوب من كل وطني -إعلامياً كان أو سياسياً أو دبلوماسياً- أن يُدرك أن حماية السردية الوطنية ليست قضية شكل، بل معركة وجود!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى