تقارير

قرارات الحكومة الاقتصادية.. محاولة انتشال الجنيه من “الوحل”

تقرير – رحاب عبدالله

فقد السودان توازنه المالي وتآكلت احتياطاته النقدية وتراجعت تدفقاته النقدية الخارجية بما فيها تحويلات المغتربين التى تراجعت بنسبة 70%، وتسارعت وتيرة انخفاض الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، ووصل مقابل الدولار لاول مرة إلى 3600 جنيه متخطيا كل التوقعات، بينما اقتربت العملات الأخرى وهي الدرهم الاماراتي والريال السعودي من حاجز ال1000 جنيه، غير أن الرهان يبقى على قرارات اقتصادية اتخذتها لجنة الطوارئ الاقتصادية وفي مقدمتها احتكار الذهب بواسطة الحكومة.
البنوك تفقد مخزون النقد الاجنبي

ويظهر تباين أسعار العملات في السوق الرسمية حجم معاناة البنوك والفجوة بينها والبنك المركزي حيث تأثرت معظم البنوك وفقدت مخزونها من النقد الأجنبي حيث ارتفع سعر بيع الدولار في بنك السودان المركزي إلى 2600جنيه، بينما سجلت بعض البنوك الأخرى سعراً أعلى وصل إلى 2700 جنيه، ما يعكس اتساع الفجوة بين السعر الرسمي والموازي، ويؤكد استمرار فقدان السيطرة النقدية على سوق العملات في ظل غياب أدوات فعالة لضبط السوق.
مسار جديد

ووصف مختصون انهيار الجنيه السوداني بانه الأسرع خلال فترة الحرب ما يضع الاقتصاد السوداني في مسار جديد وسط غياب أي مؤشرات على استقرار مالي أو اقتصادي ما لم تتوقف الحرب المستمرة منذ العام 2023م، فى حين قال آخرون إن استمرار الحرب فتح بابا لاستغلال موارد البلاد وزيادة التهريب وفقدت المالية بوصلتها حيث أصبحت كل المقدرات توجه نحو المجهود الحربي ما زاد من تعقيدات المشهد المالي والاقتصادي.
وعزا الخبير المالى عبد الحكيم النور انهيار الجنيه السوداني إلى توقف سلاسل الامداد والانتاج والصادر في قطاعات حيوية مثل الزراعة والصناعة وتفكك مؤسسات الدولة بالاضافة إلى تراجع الثقة في النظام المصرفي والمالي للدولة ما أدى إلى هروب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية، ورهن الحكيم عودة الثقة إلى مؤسسات الدولة بنظام مالي مرن يتعامل مع رؤوس الأموال بالايجابية مع تشديد الرقابة على منافذ الدولة الرئيسية، وقال “لا يمكن أن يتحقق ذلك في ظل صراع سياسي وحرب مستمرة في أجزاء واسعة من البلاد خاصة المناطق المنتجة والمصدرة للموارد الرئيسة مثل الثروة الحيوانية والذهب والنفط والمحاصيل الزراعية.
تقارير دولية

وبحسب تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية، فإن استمرار النزاع المسلح يهدد بانهيار شامل للاقتصاد السوداني، ويضع البلاد على حافة مجاعة مالية، في ظل غياب أي خطة إنقاذ دولية واضحة، ويرى محللون في مؤسسة “أفريكا إيكونوميكس” أن الجنيه السوداني بات في وضع هش للغاية، وأن أي تأخير إضافي في وقف النزاع سيؤدي إلى تضخم مفرط، وانهيار كامل في القدرة الشرائية للمواطنين، مع اتساع الفجوة بين السوق الرسمية والموازية.
وفي تقرير صادر عن وحدة التحليل الاقتصادي في مجلة “ذا ايكونومنست” خلال اغسطس الماضي، أشار إلى أن الاقتصاد السوداني يواجه حالة من “الانكماش المزدوج” نتيجة الحرب المستمرة، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 18% خلال عام واحد، وارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 400%، وسط انهيار شبه كامل في سلاسل الإمداد، وتوقف شبه تام للإنتاج الزراعي والصناعي في معظم الولايات، وفي تقرير صدر عن صندوق النقد الدولي في سبتمبر 2025، أشار إلى أن السودان يواجه “انهيارا نقديا شاملا”، مع فقدان الجنيه لوظيفته الأساسية كأداة للتبادل والتسعير، وأشار إلى أن التضخم تجاوز 130% على أساس سنوي، وأن البلاد تعاني من انكماش مزدوج في الإنتاج المحلي والطلب الاستهلاكي، وسط تفكك مؤسسات الدولة المالية، كما أورد التقرير أن أكثر من 80% من المعاملات اليومية باتت تتم بالدولار أو عبر المقايضة، في ظل انهيار الثقة بالعملة المحلية.
وفي تقرير حديث صادر عن مجوعة الأزمات الدولية في أغسطس كشف عن حالة انقسام نقدي داخل السودان، حيث ترفض مناطق خاضعة للجيش تداول العملة الجديدة، بينما تمنع مليشيا الدعم السريع تداول الأوراق القديمة. هذا الانقسام، وفقا للتقرير، يهدد بتكريس الانفصال الاقتصادي بين الأقاليم، ويزيد من هشاشة النظام المالي، في ظل غياب سلطة نقدية موحدة، وتوقف البنك المركزي عن أداء وظائفه منذ مايو 2023.
اضطرار للعودة الطوعية

ومع تراجع قيمة الجنيه السوداني شكا سودانيون في مصر وليبيا من أن فقدان الجنيه لقيمته خلال فترة الحرب أدى بالعديد من الأسر إلى التسجيل في برنامج العودة الطوعية مجبرين، حيث بلغت قيمة الجنيه السوداني مستويات متدنية اثرت بشكل مباشر على معيشة الأسر السودانية في مصر حيث تعتمد غالبية الأسر على تحويلات التطبيقات المصرفية التي بلغ سعر الجنيه المصرى مقابل السوداني أكثر من 75 جنيه سودانى بدلا عن 50 جنيه سوداني فى بداية هذا العام، فى وقت شهدت أسعار التحويلات من الامارات والسعودية انخفاضا كبيرا بلغت أكثر من 90 جنيه مقابل العملتين.
وقالت معظم الاسر السودانية التى عادت إلى السودان إن تراجع قيمة الجنيه السوداني أسهم بشكل كبير فى العودة الى البلاد رغم مخاطر الحرب وتفشي الامراض، وقالت المواطنه ست النفر محمود إنها وأسرتها ظلوا يعتمدون على تحويلات ذويهم من السودان وبعض الدول العربية عبر التطبيقات المصرفية الا أن تدهور الاوضاع المالية وتراجع قيمة الجنيه السودانى أجبرها على العودة في وقت تشتكى فيه غالبية الأسر من المخاطر التي يمكن أن تواجهها، وقالت “بهذه النتيجة ترتفع قيمة الايجارات والاكل والشرب في دول الجوار ولذلك من الطبيعي أن يشكل البقاء مشكلة حقيقية، ولذلك قررنا العودة رغم انعدام الخدمات الأساسية وتدهور العملية التعليمية والصحية في البلاد”، وأضافت “كل ذلك سيجعل مستقبل الاولاد غير معروف خاصة وأن العام الدراسي الجديد غير معروف استقراره”.
أعمال شاقة
ولجأ سودانيون في دول الجوار خاصة ليبيا ومصر إلى العمل في المزارع والمصانع من أجل البقاء كما اصطحب عدد كبير منهم ابنائهم للعمل في ظل تراجع قيمة الجنيه، ويقول نزار أحمد مقيم في احد دول الجوار “كنا نعتمد على الأهل في بعض الدول ومن بينها السودان”، وقال “كنا نستأجر شقة بما يعادل 200 ألف جنيه سوداني ولكن مع تدهور القيمة اضطررنا إلى البحث عن العمل وخرج معظمنا من المدراس لتلبية حاجيات الأسرة”، وقال “نعمل بواقع اليوم 200 جنيه وهو بالكاد يحقق المطلوبات اليومية ولكن من أجل البقاء اضطررنا إلى ذلك ومع ذلك ايضا يفقد الأبناء مواصلة دراستهم”، واضاف “في كلا الحالتين الأوضاع صعبة فاذا رجعنا السودان لا وجود لاعمال أو أشغال كل الناس عاطلين عن العمل ولذلك اضطررنا إلى العمل في المزارع والمصانع”.
وطالب الخبير المصرفي أيمن أحمد الجهات المختصة بتبني آلية مالية مبتكرة تهدف إلى تثبيت سعر صرف الجنيه السوداني، عبر إصدار صكوك مشاركة دولية تستند إلى شهادات أصول طبيعية غير مستغلة مثل الذهب، البترول، والغاز، وأوضح أحمد أن السودان يطبق حالياً نظام سعر صرف مرن مدار، إلا أنه لم ينجح في كبح جماح التضخم أو تحقيق استقرار العملة، خاصة في ظل تعطل أدوات السياسة النقدية التقليدية نتيجة الحرب، وتراجع قدرة الدولة على التدخل الفعّال، واشار الى وجود موارد غير مستغلة تعتبر فرصة كبيرة لتوفير غطاء نقدي للجنيه الى جانب تعزيز احتياطي النقد الاجنبي لتغطية فواتير الاستيراد دون الحاجة للذهب بالاعتماد على شهادات أصول معتمدة دوليا.
ترقب حذر

ولعل الجميع يترقب ما ستسفر عنه السياسات الاقتصادية الأخيرة التي أعلنت عنها لجنة الطوارئ الاقتصادية برئاسة كامل ادريس رئيس الوزراء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى