رأي

في بريد زعماء الإدارات الأهلية

 

د.حسن سعيد المجمر

أصعب خصم سيواجه زعماء الإدارة الأهلية الذين يقومون بتحريض وحشد شباب قبائلهم للقتال مع الدعم السريع المتمرد ليس هو الفريق البرهان القائد العام لقوات الشعب المسلحة أو رفاقه قادة وجنود المتحركات والحركات المسلحة والمستنفرين الذين يخوضون كالبنيان المرصوص المعارك الضارية لتحرير المدن والفرقان وتيسير عودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم، إنما الخصم الكبير يتمثل في أمهات أولئك الشباب المغرر بهم الذين حملوا السلاح وزفوا حمية للقتال بما يخالف قيم الدين وثقافة الشعوب السودانية وتقاليدها الراسخة.

أولئك الشباب المغرر بهم أفسد عليهم زعماء القبائل حياتهم في الدنيا الزائلة وسيفسدون عليهم آخرتهم يوم يقوم الأشهاد وتنصب الموازين. ذلك لأنهم لم يُقتلوا دفاعا عن العرض، أو النفس أو المال أو الدين أو العقل -الضرورات الخمس- التي يكون القتال لأجلها مشروعاً والقتيل دونها ينال الشهادة، بل هؤلاء قتلوا وهم ينتهكونها في مناطق تبعد عن ديارهم وحرماتهم مئات الأميال، في شرق ولاية الجزيرة، وغربها، وفي ولايات سنار والنيل الأبيض، وشمال كرفان، بل لم يمنع حق الجار والعشرة في ولاية غرب دارفور من أن يقتل الناس ويدفنوا أحياء، دعك من القصف الذي يتعرض له سكان الفاشر بلا هوادة أو رحمة.

 

فما هي المسوغات الشرعية والأخلاقية التي سيستند عليها أولئك النُظار أو العُمد أو الشُيوخ الذين حملوا وزر تحريض شباب قبائلهم عندما تخاصمهم أمام الحق عز وجل مغتصبة بريئة في خدرها انتهك شرفها أمام والديها أو زوجها؟، أو شيخ كبير استهزئ به ونتفت لحيته؟ أو سجين جُوِع حتى الموت؟ أو مريض منع من الوصول إلى العلاج أو الحصول على الدواء؟ أو طفل قتلت أمه أمامه؟ أو تاجر نُهبت مخازنه وسُلبت أمواله قسراً؟

 

وما هي المبررات التي تجعلهم يتبنون رجلاً رفع الجيش قدره حتى نصبه نائباً لقائده دون أن ينال شرف التخرج من الكلية الحربية عرين الأبطال ومصنع الرجال؟ بل ما هي المبررات التي تجعلهم يتبنون خطاب مكافحة النظام القديم الذي قنن وجود الدعم السريع المتمرد وقد حملته تقارير المنظمات الدولية مسؤولية ارتكاب الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية في دارفور قبل أن تتمدد جرائمه لتشمل معظم ولايات السودان؟

 

وكيف سيجيبون على أحفادهم إذا ما سألوهم عن دور أسلافهم في استقلال السودان (دولة 56)؟ وكيف نهض من بينهم أحد دعاة الاستقلال في البرلمان؟ وكيف أنهم استقبلوا ببشر وترحاب أول رئيس وزراء في زيارته لإقليم دارفور في مدينة الضعين؟ بل كيف سيفسرون مأساة أنس عمر والي شرق دافور الأسبق الذي لم تشفع له جهوده في تنمية إنسان الولاية بل تمت مكافأته باختطافه من بيته في الخرطوم وتعريضه للاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي ومنعه من أدنى ضمانات حماية حقوق الإنسان؟

 

لقد حظي زعماء الإدارة الأهلية في تاريخ السودان الممتد برعاية الدولة ودعمها وتقريبها لهم في كل فترات الحكم ما قبل وبعد الاستقلال. وفي تلك الأزمنة تولوا أعلى المناصب السياسية والعسكرية والأكاديمية في دولة 56 المفترى عليها، بل نال أبناؤهم نصيباً كبيرا من فرص العمل ومقاعد الدراسة أسوة بغيرهم من أبناء أقاليم السودان المكلوم. بل تجاوز أهل السودان جميعهم مآسي مذبحة المتمة في العام 1897، ومذبحة قطار الضعين في العام 1987، رغبة في التسامي فوق الجراحات لإقامة دولة القانون والمؤسسات وإعادة بناء الثقة وترسيخ السلام المستدام.

 

إن من أهم واجبات ومسؤوليات زعماء الإدارة الأهلية خاصة في المناطق التي ينشط فيها الدعم السريع المتمرد أن يأمروا أبناءهم بالتوقف فوراً عن المشاركة في القتال، وأن يدينوا أعمال النهب والسلب الواسعة التي تعرض لها أفراد الشعب السوداني في كافة ولايات السودان الذين تجرعوا مرارة التهجير القسري، وأن يطلقوا نداء شجاعاً لقادة الدعم السريع لوقف الحرب قبل فوات الأوان، وأن يدعوا أولئك الشباب المقاتلين لإلقاء أسلحتهم والعودة إلى بواديهم وقراهم ومدنهم، فالغاية التي يسعى إليها الدعم السريع لن يصلها أبداً. والحق أننا لم نشهد في أفريقيا قبيلة أو مجموعة قبائل هزمت الجيش الرسمي للدولة وسيطرت عليها، وفي السودان الأمر عسير جدا إذ تمرس الجيش ومن خلفه الشعب في الذود عن حدود البلاد وكرامة الشعب لأكثر من مئة عام ما لانت لهم قناة.

 

ومن مسؤوليات زعماء الإدارة الأهلية أن يبحثوا عن كيفية العودة لجراب الحكمة الذي كانوا يخرجون منه وصفة الأجاويد، وتقاليد الصف، ومحاكم الشجرة التي أيدها القضاء وحقنت بها الدماء ومنعت بها الثأرات.

 

ومن واجباتهم الاعتراف بحقوق الضحايا وقبول المساءلة وسيادة القانون، واحترام مؤسسات الدولة وإعادة بناء الثقة فيها، فهل هناك دولة بلا جيش قوي أو قضاء مستقل أو مشاركة سياسية واسعة؟

 

ومن مسؤولياتهم أن يتنبهوا للمخاطر الكبيرة التي تحيط ببلادهم بسبب ثرواتها ومواردها الطبيعية وأن يقفوا سدا منيعاً أمام تدخلات الأجندات الأجنبية وتقاطع المصالح الدولية، فلا أحد أكثر حرصاً على سلامة الوطن والمواطنين من السودانيين أنفسهم، وليتذكروا بأن البنيات التحتية الموجودة انتهت معظمها بأيدي سودانيين. عندما خرج المستعمر ترك مدنا مستهلكة مضيئة وأريافا منتجة مظلمة، فليس بالأمر الصعب أن تتنبهوا إلى عدد المدارس والمستشفيات والطرق والمطارات ومحطات الكهرباء والمياه التي تركها المحتل وما أنجزتها الأنظمة الوطنية المتعاقبة رغم الحصار والنزاعات المسلحة المستمرة التي ما تركت لأهل السودان عاماً واحدا يهنؤون فيه بالسلامة والطمأنينة دون أن تجتاح بعض أنحائه حالات النزوح واللجوء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى