فاقدو السند.. الفرار من الموت إلى الموت

الأحداث – وكالات
اهتز المبنى بأركانه الأربعة بعدما تبادل الطرفان المتقاتلان بالعاصمة السودانية القذائف واحتدّت اشتباكاتهما، الحرب لا تفرق بين المباني لذا فإن الرصاص و”الدانات” التي انطلقت لم تأبه بأن في الدار مئات الأطفال فاقدي السند والهوية احتموا منذ لحظة ميلادهم المشحونة برائحة الموت بالدار لتهب لهم الحياة ولكن هيهات.

مشاكل صحية
ماجدة رضيعة لم تكمل عامها الأول جاءت للدار التي تعرف شعبياً ورسمياً باسم “دار المايقوما للأطفال فاقدي السند” أملاً في توفير حياة كريمة لها، بعد أن عثر عليها أحد المارة على قارعة الطريق.

ماجدة كانت تعاني من مشاكل صحية تفاقمت إثر الانتقال من مدينة إلى أخرى، وفي ظل انعدام الرعاية الصحية والغذائية خطفت يد المنون روحها بمدينة القضارف، بينما تزداد مخاوف العاملين في الدار من ارتفاع عدد الوفيات وسط الأطفال- وفقاً للمديرة الطيبة للدار د. عبير زكريا.

وتمثل ماجدة واحدة من نحو 100 طفل من فاقدي السند الذين خسروا معركة البقاء بعد توقف الرعاية الصحية والغذائية، ومولد الكهرباء الذي كان يعطي الأطفال أوكسجين الحياة- بحسب المربية بالدار صباح عبد الله التي تحدثت لـ(التغيير).

وأضافت: “فقدنا 14 طفلاً في يوم واحد بسبب التيار المولد بالدار ليبلغ عدد الأطفال الذين توفوا في الخرطوم 69 طفلاً.

وتقول زكريا: إن معاناة الأطفال والوفيات بدأت من اليوم الثاني للحرب بعد ذهاب الأمهات وكوادر الصحة والتغذية لمنازلهم، وبعد 5 أيام تدخلت منظمة حاضرين وأحضرت المواد الغذائية واحتياجات الأطفال وحوافز العاملين مما أسهم بقدر كبير في رجوع الأمهات.

وتضيف: رغم المجهودات التي تم بذلها إلا أن (69) طفلاً توفوا بالخرطوم بسبب الحرب.. تم دفن أغلبهم في الميدان الشرقي للدار بسبب منع الدفن في المقابر الجماعية ولم يتم تحرير شهادات وفاة لهم.

معاناة أطفال
وأكد صديق فريني وزير التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم التي تشرف على مراكز الرعاية، صحة العدد.
وقال لـ(التغيير)، عند اندلاع الحرب كان عدد الأطفال بدار الطفل اليتيم “المايقوما” 385 طفلا، بعضهم كان محجوزا في مستشفيات ولاية الخرطوم برعاية طبية كاملة من منظمة أطباء بلا حدود والتي التزمت الوزارة بتقديم خدماتها للأطفال حتى الثلاثين من أبريل ونتيجة لاندلاع الحرب في 15 أبريل، غادرت المنظمة الخرطوم دون أي ترتيب مسبق مما أدى لتوقف بعض الخدمات التي تقدمها.
وكان العاملون بالدار يمنون أنفسهم بأن تنتهي معاناة الأطفال بعد إخلائهم إلى ولاية الجزيرة “ود مدني” التي تبعد حوالي 200 كيلو جنوب شرق الخرطوم، بواسطة الصليب الأحمر، بعد أكثر من 40 يوماً تحت القصف والحصار، وتم الإخلاء بعد الهدنة التي وقعها طرفا الصراع في منبر جدة الذي تيسره الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، وكانت الفرصة مواتية لإنقاذ الأطفال من شبح الموت- بحسب الناطق الرسمي للصليب الأحمر عدنان الذي تحدث لـ(التغيير).

ويقول عدنان، إن الصليب الأحمر قام بإخلاء حوالي 300 طفل مع أكثر من 70 من المشرفين من دار المايقوما الخرطوم إلى ولاية الجزيرة ود مدني العام الماضي، كما أجلينا 10 أطفال تقطعت بهم السبل في جمعية خير للأيتام، وتأتي هذه ضمن الدور الذي يقوم به الصليب الأحمر في الإخلاء الإنساني عندما تتوافق الأطراف المتقاتلة على عملية الإخلاء وتكون هنالك ضمانات أمنية.

تدهور أوضاع
حال الأطفال في مدني لم يكن أفضل حالاً من الخرطوم بعد أن نال التعب من أجسادهم النحيلة وتدهورت أوضاعهم الصحية ليتم ترحيل عدد منهم إلى مستشفى مدني لتلقي العلاج- بحسب المربية صباح.

وتروى عبد الله بحسرة: معاناة الأطفال زادت بعد إجلائهم من الخرطوم نسبة لعدم توفر الرعاية الصحية والغذائية الذي نتج عنه وفاة عدد من الأطفال بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

وتضيف: ما يزال الأطفال يعانون من انقطاع التيار الكهربائي وعدم توفر مكيفات لعدد من الغرف وعدم تهيئة المكان بالشكل الذي يليق بالأطفال.

ولم تتوقف معاناة الأطفال بعد خروجهم من الخرطوم، فبعد سيطرة الدعم السريع على ود مدني في ديسمبر الماضي، بدأ فصل جديد من المعاناة، ومنذ اليوم الأول توقفت الحياة تماماً، وتم ترحيلهم إلى كسلا- حوالي 600 كيلو شرق الخرطوم، بواسطة منظمة اليونسيف، إلا أن الأطفال ظلوا 48 ساعة داخل البصات، مما أدى لوفاة طفل من ذوي الإعاقة- قالت صباح.

دعم نفسي
وأجلت اليونيسيف 253 طفلا إلى كسلا بعد اندلاع القتال بالجزيرة ديسمبر الماضي.

وعاش أطفال المايقوما أوضاعاً نفسية سيئة بسبب ما واجهوه من قتل وحصار طوال فترة وجودهم بالخرطوم وود مدني، وفق الاختصاصي النفسي لدار المايقوما صدام أحمد.

ويقول صدام لـ(التغيير)، إن الأطفال تجاوزوا الآثار النفسية بعد وصولهم مدني بفضل معاونة الأمهات والباحثين الذين أعطوهم دعماً نفسياً ليتخلصوا من الآثار مما انعكس على نفسياتهم وتغير شكل اللعب والأكل والتفاعل مع الأنشطة والبرامج.

ويواصل صدام: يحتاج 24 طفلاً لعمليات فتاق في السرة وعدم نزول الخصيتين ومشاكل في القلب والكلى، بالإضافة إلى 48 طفلاً من أصحاب الإعاقة ويواجه الأطفال المعاقون أكثر إشكاليات بالنسبة للتأهيل والتدريب لأنها مشاكل تحرمهم من مسألة الكفالة.

ويؤكد أن دور منظمة أطباء بلا حدود كان كبيراً في المايقوما وترك بصمة في برنامجها، لكن للأسف لم تأت منظمة للمواصلة في ذات النهج.

وطلب صدام من (أطباء بلا حدود) العودة إلى تقديم خدماتها للأطفال لتخفيف المعاناة التي يعيشونها بسبب الحرب التي أثرت على كل شئ.

Exit mobile version