عيد الأضحى في زمن الخذلان…دمُ الأطفال يُزاحم دم الأضاحي

عبدالعزيز يعقوب
تهنئةٌ حائرة… وأمنياتٌ معلّقة على أطلال الفجيعة
في حضرة عيد الأضحى، عيد الفداء والتسليم، تتزاحم في القلب مشاعر لا تستقيم، فرحٌ مؤجَّل، وألمٌ متجدِّد، وأملٌ معلَّق في سماءٍ مثقلةٍ بالأنين.
يأتي العيد هذا العام وأكباد الأمة تتناثر على مذابح الحصار والتشريد والخُذلان، وأرواحٌ صغيرة في فلسطين، والسودان، واليمن، وليبيا تُزهق على مرأى ومسمع من العالم، كأنّ البراءة خيانة، وكأنّ الطفولة ذنبٌ لا يُغتفر.
يأتي العيد، فلا نرى في مرآة الأمة إلا وجوهًا يكسوها الأسى، وعيونًا تنام على مشاهد الدم في الخرطوم وغزة وصنعاء وطرابلس؛ وكأنّ الفداء الذي بشّر به خليل الله إبراهيم عليه السلام قد صار قَدَرًا يتكرّر على أجساد الأبرياء، لا على كبشٍ فدى به الله إسماعيل عليه السلام، رحمةً وسلامًا.
يا أمة الإسلام، أما آنَ لنا أن نفقه معنى الفداء؟
أن يكون الفداء تحرّرًا لا استسلامًا، وأن نُعيد للعيد بهجته بتحرير الإنسان من الخوف، ورفع الظلم، وكسر أغلال الاستبداد والتبعية؟
إنّ إبراهيم عليه السلام لم يُسلِّم ولده للذبح طواعيةً لطاغية، بل سلّمه لله طاعةً وتسليمًا، فكان الجزاء فداءً ورحمة.
فهل نسلّم أبناءنا لطواغيت هذا الزمان، أم نسلّمهم لله، في مشروع يبعث فيهم العزة، ويُحيي فيهم الكرامة، ويصنع فجرًا يليق بأحلامهم؟
وفي هذا العيد، لا يسعنا إلا أن نُبارك للمكلومين، لا بالكلمات التقليدية، بل بالدعاء الذي تتصدّع له القلوب وتنفطر له الأرواح.
كل عامٍ وأنتم أقرب إلى الحق، وأقوى على مقاومة الظلم، وأقدر على البناء، مهما اشتدّت العواصف وضاقت السبل.
اللهم، إن هذا العيد قد مرّ على أمةٍ أرهقتها الخطوب،
فاجعله بردًا وسلامًا على أطفال السودان وفلسطين واليمن وليبيا،
وشفاءً لقلوب الأمهات المفجوعة،
وأمنًا لمن فقد مأواه،
ويقينًا لمن تاه في متاهة الحيرة والخذلان.
اللهم، كما فديت إسماعيل عليه السلام بكبشٍ عظيم،
فافدِ أبناء هذه الأمة من مذابح الجوع والرصاص،
ومن خناجر القهر والخيانة،
وأرِنا في عيدٍ قادم أمةً موحدة، عزيزة، راشدة،
وعالمًا أكثر عدلًا، وسِلمًا، وأمانًا، ومحبة.
نكتب هذه التهنئة لا من ترفِ العيد، بل من صميم الحزن الذي ينزف،
ومن رجاءٍ لا ينطفئ…
رجاءٍ في غدٍ يعود فيه العيد عيدًا حقيقيًا، لا ذكرى للدم والموت والمآسي.
وكل عامٍ وأنتم بخير،
خيرًا يقاوم الأسى،
وأملًا لا ينكسر،
واعتدادًا لا يخبو،
وثقةً لا تلين،
وعزمًا لا يُهزم،
ورجاءً في الله لا يخيب.
فلعلّ العيد القادم، يكون عيد أمةٍ عرفت طريقها، واستعادت حقها، وكتبت تاريخها بدماء الشهداء… لا بدموع المنكوبين.