عثمان جلال يكتب/ حواري مع مستشار قائد قوات الدعم السريع

(1).
في الفكر السياسي فإن الحرب هي إدارة السياسة بأدوات العنف . معلوم أن كل حروب السودان التاريخية انتهت بالتسوية السياسية على مائدة التفاوض بدءا من تمرد توريت عام 1955 والذي انتهى باتفاقية أديس أبابا 1972٫ وتمرد بور عام 1983 والذي انتهى باتفاقية نيفاشا عام 2005م، وتمرد دارفور عام 2003 والذي انتهى باتفاقية جوبا عام 2020.
في حوار لي مع الأخ منتصر هباني مستشار قائد الدعم السريع وهو زميل دراسة وبيننا علاقات رحم وقربى قلت له دعونا نجعل شعار وقف الحرب الكارثية الحالية يتحقق عبر قاعدة المجتمع السوداني ليضغط به طرفي الحرب حتى يتداعوا للتفاوض الشامل ولما تضع الحرب أوزارها تلتقط كل القوى السياسية الوطنية بلا استثناء القفاز للحوار والتوافق حول قضايا ومهام إدارة المرحلة الانتقالية وإعادة الإعمار والأهم إعادة اللحمة الوجدانية ورتق الفتق النفسي بين أبناء الشعب السوداني وصولاً إلى الانتخابات التوافقية بين القوى السياسية الوطنية. مع شرط استمرار حالة التوافق الوطني لعدد من دورات الاستحقاق الانتخابي حتى يرسخ المشروع الوطني الديمقراطي المستدام ثقافة مشاعة في المجتمع وفي المؤسسات الناظمة له.
(2)
لكن كيف يدفع المجتمع السوداني طرفي الحرب لإنهائها عبر التفاوض؟؟ يتجلى ذلك عبر فكرة بناءة وهي الإندماج المدني مع المجتمع أي تحويل ذهنية العنف والنهب والسلب في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع لسلوك مدني وسياسي خلاق مع المجتمع وتحويل الطاقات الهدامة الحالية إلى طاقات بناء وإعمار تصب في خدمة قضايا المجتمع الحيوية والمتمثلة في المعاش والخدمات من كهرباء ومياه وصحة وتعليم واستمرار المشاريع الصناعية والزراعية حتى يدرك المجتمع أن هذه الحرب لا تستهدف الكيان الوجودي للدولة السودانية ولا تستهدف هوية المجتمع وممتلكاته وماله وشرفه، وأعتقد أن رؤية حميدتي في العمل السياسي منذ ثورة ديسمبر عام 2018 كانت ترتكز على كسب ولاء ورضاء المجتمع السوداني.
لكن المؤسف فإن سلوك قوات الدعم السريع الماثل يقف على تضاد تماماً مع هذه القيم واعتقد جازماً أن هذا السلوك يتعارض أيضاً مع الأهداف السياسية لقائد الدعم السريع والذي يدرك أن المجتمع هو مصدر الشرعية في الحكم والعنصر الفاعل في الثورة والتغيير.
إن العائلة التي تنزع للحكم الملكي الوراثي تثابر لإرضاء المجتمع وبسط الخدمات المجانية من التعليم إلى الوظيفة والزواج والسكن كما تفعل الملكيات الإقطاعية في منطقة الخليج العربي.
إن حالة التوحش الماثلة في سلوك قوات الدعم السريع تجاه المجتمع السوداني يؤكد أن عائلة آل دقلو ستسخر هذا المجتمع إلى رقيق سياسي إن دان لها الحكم في السودان، ولكن هيهات
(3)
في اعتقادي كلما تم اختزال الحرب فوقياً دون تمدد آثارها الكارثية على المجتمع كلما دفع المجتمع في اتجاه وقفها عبر التفاوض والتسوية وبالمقابل كلما استهدفت الحرب بنية المجتمع كلما ازدادت حالة التعبئة والعسكرة والتجييش في كل قطاعاته كما يتبدى ذلك الآن وحالة التجييش الشاملة قد تهوي بالسودان في صراع الهويات القاتلة والتفكيك على أسس إثنية ومناطقية.
كذلك كلما كانت هناك مساحات لإعلاء قيم الأخلاق السودانية بين قاعدة الأطراف المتحاربة أقصد سلوك الجنود في ميدان القتال مثل التعامل الكريم مع الأسرى والجرحى وعدم استهداف أسر المقاتلين المدنيين كلما ضغطت هذه القواعد القيادات العليا لإنهاء الحرب وذاكرة التاريخ تنبئنا أن الجيش السوداني والحركة الشعبية كانا احياناً يقتسمان لقمة العيش خلال حرب الجنوب.
كذلك يجب عدم استهداف العسكريين المعاشيين وعدم استهداف المدنيين السلميين بزرائعية الانتماء الفكري والسياسي، وضرورة عدم استهداف المؤسسات العامة والخاصة ومشاريع البنية التحتية والأعيان المدنية والمرافق الخدمية والتي شيدت من عرق الشعب السوداني وحتماً فإن كل هذه السلوكيات الإيجابية ستدفع المجتمع للضغط على طرفي الحرب للتفاوض والاتفاق على إنهائها.
صفوة القول فإن دور المجتمع السوداني هو العنصر الاستراتيجي في إنهاء الحرب الحالية سواء عبر التفاوض السلمي أو النزال العسكري في الميدان وهذا يتوقف على سلوك قوات الدعم السريع تجاه هذا المجتمع الأبي العزيز الذي يأنف الإذلال والمهانة.
(4).
إن هذه الحرب الكارثية يجب أن تضع أوزارها عبر التفاوض الاستراتيجي وليس التكتيكي والذي يخاطب جذور الأزمة الوطنية المتراكمة منذ الاستقلال لنصل إلى الحلول الناجعة التي تنهي الكراهية وثقافة الإقصاء وثقافة الولاء للآيديولوجيات والعصبيات القبلية وثقافة الاستقواء بالدول الخارجية المعادية للنظام الديمقراطي والطامعة في موارد السودان.
إن الحوار الاستراتيجي يجب أن ينهي ثقافة الثنائيات المدمرة والمتمثلة في الإسلاميين في مقابل الشيوعيين، حزب الأمة في مقابل الحزب الاتحادي، الشمال في مقابل الجنوب، الحكومة في مقابل المعارضة على أن يكون الشعار الاستراتيجي لكل القوى السياسية والمجتمعية نحن كلنا أبناء الشعب السوداني مع ترسيخ النظام الديمقراطي المستدام، وإن ٱدواتنا الاستراتيجية في إدارة خلافات التنوع والتباين وليس التضاد والتناقض لترسيخ النظام الديمقراطي المستدام هما الحوار والسلمية.
والأهم يجب أن تنتهي هذه الحرب بسيادة جيش وطني مهني وقومي وموحد وغير قابل للأدلجة وعقيدته الراسخة صيانة الدستور وحراسة الثغور.

ملاحظة
كان هذا الحوار مع الأخ منتصر هباني بعد سقوط مدينة مدني وتمدد الدعم السريع شمال ولاية النيل الأبيض وسيطرته على مدينة القطينة فهل تغير سلوك قوات الدعم السريع تجاه المجتمع أم لا يزال المجتمع هو المستهدف من هذه الحرب؟؟
نواصل

Exit mobile version