عبث أبو ظبي تجاوز الخطوط الحمراء.. وبن سلمان من الاحتواء إلى المواجهة

نسرين النمر
أبو ظبي.. اللعبة الكبرى (3)
المملكة العربية السعودية
والتحذير الأخير.. لن ننتظر.
عبث أبو ظبي تجاوز الخطوط الحمراء
وبن سلمان من الاحتواء إلى المواجهة.
السودان – إريتريا – السعودية
إلى حين اكتمال المعادلة
كتبت : نسرين النمر
تتمتع المملكة العربية السعودية بمكانة استراتيجية رفيعة في محيطنا الإقليمي والدولي، تستند إلى ثقلها الجيوسياسي والاقتصادي والديني، وإلى موقعها المحوري في قلب التفاعلات الإقليمية، بما يمنحها نفوذًا فاعلًا ودورًا قياديا في صياغة معادلات الاستقرار وحفظ التوازنات في منطقة تتسم بتعدد التهديدات وتشابك الأزمات وتعقيدها.
وتولي المملكة أهمية قصوى لمفهوم الأمن الإقليمي الشامل، لا سيما في الفضاء الجيوسياسي للبحر الأحمر، بوصفه شريانًا حيويا للأمن القومي العربي والتجارة الدولية، وركيزة أساسية لمشروعاتها الاستراتيجية الكبرى، متمثلة في رؤية المملكة 2030، التي تتطلب بيئة إقليمية مستقرة وآمنة لضمان تنفيذ خططها وجذب الاستثمارات الكبرى، ومعظمها يقع على البحر الأحمر، ابتداء من مشروع نيوم وتطوير ميناء ينبع الاستراتيجي ومنطقته الحرة.
وفي هذا الإطار، تبرز أهمية الدور السعودي كعامل استقرار رئيس، يقوم على مقاربة استراتيجية تجمع بين الدبلوماسية الفاعلة، وبناء الشراكات الإقليمية والدولية، والمنافسة الإيجابية البنّاءة، بما مكّن المملكة من الاضطلاع بأدوار محورية في إدارة أزمات المنطقة واحتواء كثير من تداعياتها، مع احتفاظها بشبكة علاقات متوازنة مع دول الإقليم، بما في ذلك دول شرق إفريقيا، القائمة على التعاون والمنافع الاقتصادية المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ودعم الاستقرار.
السودان والمملكة
وانطلاقًا من هذا النهج، اضطلعت المملكة بدور إيجابي ومتزن في مقاربة إشكالات الملف السوداني على امتداد تاريخه المعاصر، دون أن ترتبط سياساتها بأي إرث سلبي أو تدخلات أضرت بوحدة الدولة السودانية أو سيادتها، حتى إبان حقبة النظام السابق وفي أكثر فصولها حدة.
وقد رسخت هذه المقاربة صورة المملكة في الوعي السياسي السوداني كفاعل موثوق وصادق، ما أسهم في تناول داخلي إيجابي مع أي تحرك سعودي داعم للاستقرار والسلام ووحدة وسلامة الدولة السودانية. وعليه، فإن الدور السعودي يُنظر إليه بوصفه ركيزة داعمة لإرادة السودانيين في استعادة دولتهم، وعاملًا إقليميا مسؤولًا يسهم في تحصين الأمن الإقليمي، وربطه بالاستقرار السياسي واحترام سيادة الدول وأمنها وسلامة أراضيها.
٠ عبث نظام أبو ظبي:
خلافات البلدين وتقاطع المصالح..
لم تعترف السعودية بدولة الإمارات العربية المتحدة كدولة مستقلة ذات سيادة رغم نيلها استقلالها عام 1971، وربطت الخطوة بترسيم الحدود بين البلدين، وهو ما تم عام 1974 بتوقيع الشيخ زايد اتفاقية جدة التي حسمت حينها ملفي واحة البريمي وحقل الشيبة النفطي.
لم تتجاوز العلاقات السعودية – الإماراتية حالة التنافس والنفوذ الاقتصادي والريادة في منطقة الشرق الأوسط والإقليم، ولم تتطور الخلافات إلى حالة عداء معلن أو مستتر إلا بعد رحيل الشيخ زايد، وزادت بوصول واستيلاء محمد بن زايد، وتفجرت ملفات كثيرة بين الدولتين، وعلى رأسها الملفات الحدودية كما هي الحال في منطقة الياسات، وخروج الإمارات من تحالف الحرب على اليمن وعملها المنفرد في جنوبه بتكريس الانقسام ودعم ميليشيات تابعة لها، والاستيلاء على المواني الجنوبية في عدن وسقطرى ومحاولات السيطرة على باب المندب.
انتقل التنافس والصراع إلى الملف الاقتصادي، حين حاولت المملكة تأكيد مكانتها وريادتها وثقلها الاقتصادي، وأجبرت الشركات متعددة الجنسيات على ضرورة نقل مقراتها إلى الرياض بقرار صادر في 2021، ما عدته أبو ظبي استهدافا مباشرا لها.
أيضا لا ننسى اختلاف وجهات النظر في ملف التطبيع مع الكيان، والذي تقوده أبو ظبي بقوة وتعمل على فرضه عبر اتفاقات أبراهام والتعاون الاقتصادي الإقليمي لدول المنطقة بما يشمل الكيان.
وامتد الخلاف لتدخل سوريا الجديدة ما بعد الأسد في خطه، خصوصا بعد دعم المملكة القوي للنظام الجديد.
٠ بن سلمان من الاحتواء إلى المواجهة
أدركت المملكة مؤخرا أن محاولات احتواء النفوذ الإماراتي المتزايد ذي الطابع الاقتصادي والعسكري في دول الإقليم، لا سيما المشاطئة على البحر الأحمر، قد أخذ أبعادا تستوجب التحرك بقوة لوقف ولجم عبث نظام أبو ظبي بأمن المنطقة، وتمادي مخططاتها التي باتت تهدد أمن المملكة ذاته، وهي تعلم أن حرب نظام أبو ظبي وميليشياتها على السودان منشؤه البحر الأحمر، بعد فشلها في أن يكون لها موطئ قدم في أبو عمامة أو شنعاب وغيرها
وتيقنت المملكة أن مشروع إمارة أبو ظبي تجاوز الحد المسموح وخرج من دائرة التنافس والنفوذ الاقتصادي والسياسي إلى ساحة الفوضى والتدمير الممنهج المدروس خدمة لمشروعات أكبر، ما أبو ظبي إلا رأس رمحها وعنوانها المتقدم، فحال المملكة اليوم في تحركها كأنّها تقول بأن صبرنا قد نفد، ولن ننتظر حتى يدركنا الحصار الذي تريده أبو ظبي من باب المندب إلى العقبة شمالا، وهي ترى آثار مخطط بن زايد في الصومال واليمن وإثيوبيا وجيبوتي وإريتريا وحان دور السودان، وليكن محمودا أن استقر في عقل قادة المملكة أن كسب معركة السودان سيعني انكفاء ومحاصرة أكيدة لأحلام الشيطان التي تستهدف الجميع دون استثناء، وأن السودان الآن يخوض معركة البقاء والوجود ويدفع ثمنها نيابة عن الجميع.
٠البرهان.. بن سلمان القضاء على أحلام الشيطان:
خرج رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان مثمنا خطوة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في دفعه بملف الحرب إبان زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، ولعل الترحيب والتفاؤل لم يقتصر على شخص الرئيس، وإنما بدا واضحا في الشعور الإيجابي العام الداخلي والإقليمي بالخطوة، لوهلة سكنت أصوات أبو ظبي وأبواقها ومرتزقتها، لتخرج في تناغم معهود، محاولةً خلط الأوراق بإرجاع مستر Big Broker إلى الواجهة وحديثه عن الهدنة الإنسانية ووثيقة جديدة ستدفع بها الرباعية لإنهاء الحرب، وهو ما جرى تكذيبه على لسان الرئيس الأمريكي ترامب ووزير خارجيته.
إذًا، لن تقف أبو ظبي مكتوفة الأيدي إزاء دخول المملكة لملف السودان بقوة، وهي تعلم أن هذه الخطوة عمليا ستقبر أحد أهم فصول مخططاتها العبثية في الإقليم. وما نشهده اليوم من تهديد على الجارة إريتريا وتصعيد في اليمن وفي حضرموت تحديدًا، ما هو إلا محاولة من بن زايد لإيصال رسالة مفادها لنفتح كل الساحات ولتكن المواجهة واقعا.
تحدّثنا سابقا عن زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، للسودان، وأعقبها بزيارة المملكة وقبلها بنحو شهر لجمهورية مصر العربية، وأيضا ذكرنا حينها أمر الدعوة للرئيس البرهان لزيارة المملكة.
إذن يمكن القول الآن والسيد البرهان في الرياض بأن هنالك تحولا جوهريا قد حدث في معادلة الحرب في بلادنا، وستكون ملفات أمن البحر الأحمر والعمل والتنسيق الجماعي لتأمينه حاضرة، وربما تفعيل دور منظمة البحر الأحمر للدول المشاطئة محل نقاش القادة. وربما في انتظار دور مصري يكمل المعادلة.
إضافة إلى الملف الاقتصادي ورفع المملكة قيودها بعد أن أجازت مؤخرا قرار مجلس التنسيق السوداني-السعودي المشترك.
أما على صعيد مبادرة ولي العهد، فمن المتوقع أن تواصل المملكة جهدها وهي تستقبل رؤية القيادة السودانية وخارطتها التي ستُطرح للحل بما يتجاوز العقبات الحالية التي تشكلها الرباعية، فتطوير مسعاها إلى تفاهمات مباشرة مع الولايات المتحدة وارد وبقوة.
أما على صعيد الحرب، فيمكن أن تكون المفاجأة التي لن تسعد الشيطان وأعوانه وخدامه، وستبقيهم في الشقاء إلى يوم معلوم.



