عادل الباز يكتب: معركة الدبلوماسية السودانية.. تحدي الخذلان

فيما أرى

1
الذين تابعوا جلسة مجلس الأمن المغلقة فجر اليوم أدركوا حجم المؤامرة التي تتعرض لها بلادنا، وأن الواهمين الذين يعتقدون أن المعركة في السودان وحوله ستنتهي بين يوم وليلة، وأنها ستتوقف بمجرد وقف إطلاق النار فذلك وهم، والذين يعتقدون أن المعركة تدور بالسلاح فقط في وسط الخرطوم أدركوا أن هناك معارك تدور رحاها بالغرف المظلمة قد تكون أشد ضراوة وراءها جنود مجهولون.
حين تدور المعارك في الجلسات والغرف المكيفة لا أحد ينتبه لها جيداً على أهميتها، فهناك يتأسس الصراع وتكشف المواقف الباهرة أو المخزية للدول التي تدعي أخوتنا وأنهم اشقاؤنا إذ بنا فجأة نكتشف مغارزهم في ظهورنا.
2
في جلسة مجلس الأمن فجر اليوم حققت الدبلوماسية السودانية أولى انتصاراتها على المستوى الدولي وأفشلت إصدار أي قرار يحبط جهود السودان في إنهاء التمرد، اتضح أن السودان يخوض معركة كبرى ليس في شوارع الخرطوم فحسب بل في دهاليز مجلس الأمن، حيث تحاك المؤامرات وتطلق التصريحات كسحب دخان تخفي ما وراءها من أجندات قذرة.
بالأمس وقف مندوب السودان في الأمم المتحدة السيد الحارث إدريس مؤسساً موقف السودان، معلناً أن قوات الدعم السريع حاولت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب عسكري، كما طالب إدريس بإعطاء السودان الفرصة للتعامل مع المقترحات الإقليمية لحل الأزمة، وقال إن الأولوية للإتحاد الأفريقي والدول المجاورة للتعامل مع ما يجري في السودان، وأكد أن ما يجري في السودان شأن داخلي يجب أن يُترك حله للسودانيين دون تدخل خارجي، مشدداً على أن الجيش يحاول إنهاء التمرد الذي قامت به قوات الدعم السريع بأقل خسائر ممكنة).
3
ثلاث مواقف كانت لافتة في جلسة اليوم.. الأول هو موقف الحلف المتآمر الداعم للتمرد بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا (الدول حاملة القلم).. وهذا الحلف يرفض ابتداءً أن يسمى ما جرى انقلابا أو تمرداً، ويختفي خلف عبارات دبلوماسية رنانة ومهترئة تتحدث عن وقف الحرب استناداً للحالة الإنسانية، ويعجز تماماً عن تسجيل أي إدانة للمتمردين الذين روعوا المدنيين وارتكبوا فظائع وجرائم حرب.. ولكن المتآمرين لا يرون ولا يسمعون، كل همهم أن ينقذوا حلفائهم وعملائهم من المتمردين والسياسيين، الذين لاذوا بالصمت المريب في أخطر معارك الوطن.. وهدفهم فرض التدخل الدولي بتطوير الموقف من المناشدات والهدنة والضغط والتهديد لفرض اتفاق مع المتمردين يمنحهم فرصة للحياة.. وهيهات.
4
اللافت للنظر أيضا هو الموقف الموحد للقارة الأفريقية الذي تبنى موقف السودان، واعتبر ما يجري شأناً داخلياً، مطالبا المجتمع الدولي بعدم التدخل مؤكدين أن القارة الأفريقية قادرة على حل أزماتها دون تدخلات خبيثة.. كان موقف أثيوبيا وجنوب السودان وجيبوتي وكذلك الاتحاد الإفريقي ناصعاً (وهي الدول التي تسمى الدول ذات النفوذ) والتي استمع المجلس لإفاداتها… هذه المواقف دعمت بواسطة الأمين العام غوتيرش، الذي أكد على دعم الحلول الإقليمية عبر الاتحاد الإفريقي والإيقاد.
5
الموقف العربي كان غريبا مشتتاً.. ففي البداية كان الموقف السعودي والإماراتي مرتبكاً ومتردداً إن لم أقل متخاذلا في دعم الموقف السوداني.. إلا أن المملكة العربية السعودية عادت مع بداية الجلسة بموقف قوي مع السودان، أكدت فيه أن القوات المسلحة السودانية التزمت بالهدنة رغم خرقها من الطرف الآخر، وشددت على أن الحل يجب أن يترك للسودانيين، رافضة التدخل الخارجي وهو ذات المنحى الذي أكدت عليه مصر المعلوم موقفها الداعم لموقف السودان.
6
الموقفان البارزان اللذان ساهما في خروج الجلسة المغلقة دون إصدار أي مخرج عقبها هما روسيا والصين اللذان اكتفيا بالتنوير، ورفضتا إصدار أي بيان إضافي، وقالتا إن مجلس الأمن أصدر بيانا قريباً حول السودان ولابد من منح السودان فرصة لإعمال جهده لاحتواء النزاع ولا داعي لإرسال رسائل أكثر من ذلك، وكان ذلك ضد مواقف دول التآمر الداعم للتمرد (بريطانيا/ أمريكا/ وفرنسا).
7
استوقفتني كلمة نائبة المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة أنّا يستغنيفا، التي قالت فيها (إن العديد من اللاعبين الخارجيين قاموا بشكل مصطنع بتعجيل عملية نقل السلطة إلى القوى المدنية في السودان، وشددت يستغنيفا على أن تلك الأطراف الخارجية، فرضت ظهور عدة قرارات لم تنل أية شعبية في المجتمع وبين المواطنين في السودان، وأضافت “لقد شاهدنا كيف قام العديد من اللاعبين الخارجيين بفرض عملية نقل السلطة بشكل مصطنع إلى القوى المدنية، وبفرض عدة قرارات لم تقبلها مجموعات كبيرة من السودانيين، وقالت إن عدة دول قامت بالترويج كثيرا للاتفاق السياسي الإطاري في 5 ديسمبر 2022، الذي رغم ذلك لم يصبح منصة شاملة لمختلف القوى داخل السودان على أن عدة شخصيات سياسية ذات وزن ثقيل بقيت خارج نطاق هذا الاتفاق”.
(ترى الدبلوماسية الروسية أيضاً، أنه من المستبعد أن يقوم مثل هذا النهج بتعزيز انطلاق تسوية شاملة). وأضافت “تم ربط عملية فك الطوق عن المساعدات الدولية الحيوية للبلاد، بشكل مباشر بنقل السلطة إلى حكومة مدنية. ونتيجة لذلك، وقع الاستقرار الهش في البلاد ضحية فرض مثل هذه الديمقراطية من خلال الضغط والابتزاز”، هنا تضع المندوبة الروسية يدها على أس الأزمة وسبب الكارثة التي تكمن في الإقصاء، وهذا هو حصاد القوى الانتهازية التي تود أن تحصد أي شيء باحتكار السلطة ولكنها حصدت رماد مطامعها.
المعركة التي دارت في جلسة مجلس الأمن المغلقة فجر اليوم سيكون لها ما بعدها ومثلت انتصاراً باهراً للدبلوماسية السودانية وفزرت المواقف، والآن بتنا نعرف من عدونا من صديقنا، “سمحة البتوري”.

Exit mobile version