فيما أرى
1
إذا أردت أن تعرف لماذا نحن هنا.. ولماذا ظلت أزماتنا متصلة بعد الاستقلال وإلى يوم الناس هذا.. ماعليك إلا أن تقرأ مذكرات د. منصور خالد التي صدرت حديثاً عن “رؤية” بإسم (شذرات وهوامش على سيرة ذاتية.).. صدرت المذكرات في أربعة مجلدات (أجزاء) وفي كل مجلد من تلك المجلدات كان د. منصور يقدم صورة من الليل البهيم الذي ظلت البلاد ترزح تحته منذ فجر الاستقلال، أي منذ عهد الآباء المؤسسين، مروراً بكل العهود الوطنية، ومازالت تبحث عن أفق جديد.
2
قدم د. منصور شهادته للتاريخ عبر سيرته الذاتية، وحكى قصصاً من أحداث التاريخ الذي كان شاهداً عليها أو أحد صُناعها، كان منصور يجيب على سؤال طالما ألح عليه منذ ستينيات القرن الماضي (لماذا أدمنت النُخب الشمالية الفشل؟) في كل القضايا التي تعرض لها د.منصور تراه عائد بها إلى جذورها ومنشئها الأصلي في تاريخنا المعاصر. فينتقل بك من قضايا الرق إلى أزمة الجنوب إلى مأساة الديمقراطية.. ويعبر منها إلى الانقلابات العسكرية ثم إلى تلك الفرص الضائعة في تاريخنا والتي تدمي القلب.
3
يقول د.منصور في شذراته (مشاكل السودان السياسية الراهنة هي نتاج لفقدان، لكيلا نقول قصر النظر، عند آباء الاستقلال في مجابهة أكبر مشكلة واجهتهم عند الاستقلال ألا وهي قضية الجنوب.)، ثم يمضي د.منصور لاتهام الجميع بطعن الديمقراطية فيقول (ليس من قبل كل الأحزاب فحسب بل أيضاً من حكومة ترأسها من يعد أكبر ديمقراطي في السودان محمد أحمد المحجوب صاحب المقولة الشهيرة (أخطاء الديمقراطية تعالج بمزيد من الديمقراطية). ويرجع د.منصور بالديمقراطية إلى عدم التسامح فيقول (عدم التسامح لا يؤدي فقط إلى تقويض الديمقراطية بل يمثل هدماً للسياسة من أساسها، لأن السياسة هي فن التسوية والتراضي.).
4
يلامس د. منصور عمق الأزمة وجراحها التي لم تندمل، فيرجعه لإغفال الأحزاب والحكومات عن أهم واجباتها (البناء الوطني الذي لا يكتمل إلا بتحقيق التناغم بين المكونات المختلفة للوطن والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لن تتحقق رفاهية الشعب بدونها.). سنحاول عبر سياحة في تلك المذكرات أن نأخذ منها الجوانب التي تلقي الضوء على الأزمة التي عشناها ونعيشها الآن، وبعدها سأدلف إلى ما أثاره د.منصور من آراء حول الشخصيات التي عاصرها والتي لعبت أدواراً مختلفة في السياسة السودانية في عهود وأزمنة مختلفة… نواصل