عادل الباز يكتب: التسوية وتشكيل المستقبل

في ما أرى

1
هناك عقدة أساسية هى التي تعقد المشهد السياسي الآن، وهى الصراع حول تشكيل المستقبل من قبل كافة القوى المتصارعة الآن. وهو ما أدى بالمجلس المركزى للحرية والتغيير للإسراع فى توقيع اتفاق إطاري مع العسكر بتنازلات مرة. كيف؟
2
بتحليل عميق للوضع الراهن ادركت قوى الحرية والتغيير المجلس المركزى أن صراعها الحالى مع العسكر عبثي ولن تصل به إلى أى أفق… فالشارع لم يعد هو الشارع الذى تستدعيه فيجيب دعوتها لتسيير مليونيات ويمارس ضغطه المعهود على العسكر، ضعف الشارع بشكل لا يمكنه تغيير ميزان القوى على الأرض فى الوقت الذى يرسخ فيه العسكر سلطاتهم. ولذا رات ان الطريق الوحيد المفتوح أمامها للمستقبل يمر عبر ابرام صفقة مع العسكر بدعم من الدولي الذى أصبح هو الرافعة الأساسية للمجلس المركزي، خاصة ان القوى الإقليمية والدولية تسعى لصنع حالة من الاستقرار بإيجاد معادلة تسمح لحلفائها بالتواجد فى دهاليز السلطة ويمكنها ذلك من إعلان تحقيق هدف أساسي هو تأسيس حكم مدني تقدل به ويعرض به السفراء في المحافل.

3
من هنا تأسست فكرة تشكيل المستقبل، فالمجلس المركزي إذا فقد الحاضر فليرنو للمستقبل، المعادلة الحالية إذا لم يجدوا فيها موقعاً فإن فرصهم فى هندسة المستقبل ستكون معدومة. هنا مكمن الصراع الأساسي(هندسة المستقبل)، فالفترة الانتقالية منقضية مهما طالت فما شأن المستقبل.؟ هذا السؤال مقلق فى ظل شكوك كثيرة حول فرص هذه القوى فى تحقيق مكاسب كبيرة فى مناخ التنافس الحر الديمقراطي. يسعى هؤلاء للسيطرة والتحكم على أطر واجراءات الانتخابات وينسون ما هو أهم وهو جموع الناخبين الحقيقيين على الأرض وفي الشارع العريض الذين فقدتهم قوى الحرية والتغيير تماماً.
ولذا فإن هندسة المستقبل أصبح هو هدفها الأساسي للبقاء فى حلبة الصراع السياسي فى فترة مابعد الفترة الانتقالية.
هندسة ذلك المستقبل غير متأتية إلا بالتحكم فى الحاضر والتمكن من السلطة التي تهندس الآن المستقبل وبأي طريقة. ولذا نفهم سر تنازلاتها الهائلة للعسكر بمنحهم الضمانات اللازمة والابتعاد من دوائرهم وسلطاتهم.وافقوا في الاتفاق الإطاري على تاجيل أهم القضايا التي يدور حولها الصراع (الشهداء/ التفكيك / هيكلة القوات المسلحة/ اتفاق جوبا). أعطوا كل شيء ولم يستبقوا شيئاً مقابل تمكينهم فى مفاصل السلطة التي تعينهم فى هندسة المستقبل. فحرصوا على احتكار منصب رئيس الوزراء لأنفسهم (القوى الثورية)، وتبعاً لذلك هم من سيختارون الوزراء، وأعطوا لرئيس الوزراء ولهم الحق بحسب الاتفاق الإطاري فى التحكم فى تعيينات مجلس القضاء والنيابة والمفوضيات التي تصنع المستقبل (مثلاً مفوضية الانتخابات). ولهم الحق فى السيطرة على جهاز المخابرات بغرض التحكم فى المعلومات كلها إضافة لصنع جهاز أمني آخر داخلي تنشئه السلطة الإنتقالية بقرار من رئيس الوزارء. يجرى ذلك تحت شعار استعادة (مدنية الدولة).
4
فى ذات الوقت العسكر مرهقون، فهم بلا خطة ولا برنامج ولا قدرة فعلية على إدارة الدولة، وظل التدهور مستمراً فى عهدهم فى كافة المناحي ويتحملون هم مسئولية حالة السيولة التي دخلت فيها البلاد منذ اكتوبر 2019. إضافة إلى الضغط الإقليمي والدولي الذي يتعرضون له بملفات كثيرة، هذا الوضع والمناخ حولهم جعلهم منفتحين على الإقبال على صفقة ما، مهما كان شكلها وحجمها ولكنها سترفع عنهم الضغوط الدولية، ومع الحفاظ على مكاسبهم اضافة لاسقاط كل التهم تطاردهم الآن سواء في فض الاعتصام أو ما بعد في 25 أكتوبر. أخذ العسكر من القوى المدنية في المجلس المركزى كل ما يهمهم ، وادعوا أنهم خرجوا من العملية السياسية ومنحوا المدنيين (المجلس المركزى) حق تشكيل المستقبل،على أنهم تركوا له فى الطريق ألغاماً، هى أربع قضايا من شأنها أن تفجر الأوضاع بنحو يصعب السيطرة على تداعياتها فى ظل معارضة واسعة للاتفاق.
المهم الآن لن يتهم احد العسكريين باحتكار السلطة، ولا ضغوط ولا سفراء ولا اجتماعات… الكرة الآن بعيده عن ملعبهم فليذهب المجتمع الدولى ليجد حلاً بين الكتل المدنية المتصارعة فى الساحة السياسية ويشكل حكومتة المدنية ذات المصداقية التي لطالما ألحَّ في طلبها.
إذا أفلح المجلس المركزى فى تطوير الاتفاق بفتحه وجعله شاملاً، فخير وبركة ، أما إذا أخفق، فسيحتكر السلطة محاولاً تشكيل المستقبل لوحده فى ظل معارضة واسعة وأجواء متوترة وأزمة اقتصادية خانقة مما يجعل فرص نجاح التسوية منعدمة.
قال صديقى د. محمد محجوب هارون فى مقاله حول التسوية ان فرص نجاحها يتحقق بتوافق عريض لقوى الفضاء المدني إلى وخلص لنتيجة مهمة حين قال ( إن لم تستفد نُخبة الحُريّة و التغيير من درسها السابق فعليها أن تجهّز نفسها لأحد دورين. فإمّا أن تكون في خدمة مركز القوة الرئيس الذي يمثّله العسكريون و القُوى الخارجية، أو أن يلقون المصير ذاته على نحو ما حدث في الخامس و العشرين من إكتوبر من العام الماضي، أمران لا ثالث لهما. لن تهب القوى الإقليمية و الدولية لحماية حُكم مدنيين، هذا إذا لم تتواطأ، كُلُها أو بعضُها، ضدّ حُكم المدنيين، لو رأت في ذلك مصلحة لها). قريبا من هذه الخلاصة أخشى أن يكون العسكر قد باعوا الريح للمجلس المركزى ومن ورائه المجتمع الدولى بينما أبقوا الرصاصة فى جيبهم الخلفى (راجع صور الرئيس مؤخراً). ومتى ما تأزمت الأوضاع.. عادوا بنفس الملامح والشبه وبمقولات جديدة/ قديمة وما اكثرها فى هذا الزمان.هل من معتبر؟

Exit mobile version