تقرير – أمير عبدالماجد
رغم استلاف معظم المتحدثين للسان الشعب السوداني وحديثهم المستمر عن أن الشعب السوداني برمته يناصر الدعوة لإيقاف الحرب والدخول في مفاوضات إلا أن قطاعات واسعة باتت تعبر الآن عن موقف رافض للتفاوض مع المليشيا، ويعتقد هؤلاء أن المفاوضات ستعيد المليشيا للمشهد العسكري والسياسي مرة أخرى بالبلاد وهو أمر مرفوض بعد كل ماحدث من نهب وقتل وسحل واغتصابات وبيع للنساء في دارفور، ويعتبرون التفاوض هدية يمكن أن يمنحها الجيش للمليشيا بل إن بعضهم يذهب إلى أنه لن يقبل أي اتفاق للجيش مع المليشيا وسيرفضها متى ما قننت وجودهم وشرعنته مرة أخرى ومتى ما تجاهلت حقوق من قتلوا واختفوا وسحلوا واغتصبوا.
تشكيل مشهد
ويبدي عدد كبير من المواطنين عدم رضاء إزاء خطوات المجتمع الدولي المتسارعة والضاغطة على الجيش من أجل توقيع اتفاق وقف إطلاق نار لفترة طويلة يقود لمفاوضات سياسية تعيد تشكيل المشهد، ويكاد لايخلو تجمع للسودانيين من اختلافات حادة ونقاشات حول الأوضاع بالبلاد لكن النقاشات حول المفاوضات غالباً ما تتجه نحو الرفض بسبب كونها وسيلة قد تعيد حميدتي والمليشيا إلى المشهد السوداني، فالسودانيون يفضلون في عمومهم الحرب على عودة حميدتي للمشهد العسكري والسياسي، وينظرون للمفاوضات من زوايا متباعدة ونتائج متقاربة.
وكانت الولايات المتحدة الامريكية قد دعت لمفاوضات في سويسرا حددت لها خمس مطالب رئيسية هي الوقف الفوري لإطلاق النار وفتح المسارات الإنسانية وحماية المدنيين وإيجاد آلية دولية وإقليمية لتنفيذ الالتزامات قبل الدخول في المطلب الأخير وهو الدخول في ترتيبات سياسية تفضي لاتفاق سياسي. وهي مطالب ينظر لها كثيرون ومن بينهم قادة الجيش بريبة لأن المفاوضات السابقة في جدة أنجزت اتفاقاً لم ينفذ ما يعتبره كثيرون قفز عليه ومحاولة لتجاوزه.
شرعنة وجود
وكان مبعوث الولايات المتحدة توم بيرييلو قد أكد هذا الأسبوع أن بلاده مرنة في جهودها لدفع الأطراف للمشاركة في مفاوضات جنيف، وقال إنه تواصل مع قائد المليشيا الذي رحب بالمفاوضات لكنه لم يحصل بعد على تعهد من الجيش، وأضاف أن بلاده ترغب في مواصلة التعاون مع الأطراف ليس فقط لنقلهم إلى جنيف ولكن أيضاً للاستعداد للقيام بذلك، وناشد الجيش أن يأخذ دعوة المفاوضات في جنيف بجدية، معبراً عن أمله في الحصول على تأكيد رسمي منهم في القريب العاجل وهو مايبدو على المحك الآن.
ويقول محمد الحسن حاج نور وهو محام من مواطني حي بيت المال بأم درمان إن الحرب هذه علمته أن الثقة في الجنجويد أمر غير منطقي لأنهم يكذبون كما يتنفسون وهم ينتظرون هذه المفاوضات ليفرضوا شروطهم، وهذا أمر غير مقبول وغير عادل، وأضاف “المنطقي أن يحاسبوا على كل هذا الخراب والدمار والموت والنهب والسرقة لا أن نكافئهم باتفاق يعيدهم إلى السلطة هذا جنون”، وتابع “المفاوضات معهم ستكون مجرد وسيلة لشرعنة وجودهم وأي اتفاق سلام مع هؤلاء سيجر البلاد إلى محرقة لأن الأغلبية الصامتة التي دمرت بسبب الحرب حانقة عليهم وعلى مناصريهم”.
وعند سؤالنا لمعتصم جروشي وهو سائق “ركشة” بأم درمان عن الاتفاق قال إنه يرفض هذا الاتفاق ولو بقي رجل واحد في السودان يقاتل هؤلاء المجرمين، وأضاف “أنا نزحت من منطقة بانت بام درمان خرجت في وقت مبكر لكنني عدت لأساعد في نقل والدتي من هناك إلى كرري وكانت المليشيا وقتها قد انتشرت هناك لقد شاهدت وعشت مشاهد لا يمكن قبولها ضربونا بالسياط وبالرصاص واغتصبوا الفتيات والنساء وكانوا يسبون المقدسات ويقولون لا أحد سيحميكم منا”، وتابع “لو رأي الجيش أن يضع يده في أيدي هؤلاء هذا شأنه لكننا لن نقبلهم وسنقاتلهم كشعب”.
سلام فوقي
وتعلو أصوات النقاشات هنا كلما كان الحديث عن اتفاق قد يحدث بين الجيش والمليشيا إذ أن الجميع هنا عاش ما يكفي ليكون رأياً فيهم وفي وجودهم بالمشهد.
ويقول حاج النور وهو رجل ثمانيني من سكان الفتيحاب إن الاتفاق والسلام في النهاية أمور لا جدال أنها جيدة ومقبولة لكن هؤلاء ليسوا بشر لتتفق معهم ومن يقف معهم يتساوى معهم في الجرم، والسؤال الذي يجب أن يسأله الجيش لنفسه قبل الذهاب للتفاوض كيف سيطبق الاتفاق وسط رفض الناس له أيا كان، إلا لو جاء على طريقة ياسر عطا الذي نالت تصريحاته استحسان الناس، وأضاف “لو تم تجميعهم في معسكرات ونزعوا أسلحتهم وحوكموا على جرائم كثيرة جداً ارتكبوها بحق الشعب يمكن الحديث عن سلام وإلا فإن أي اتجاه لسلام فوقي سيحدث أزمة كبيرة في المجتمع الذي يغلي الآن وأصحاب البيوت المفتوحة الآن التي سرقت وقتل أهلها ونكل بهم لن يصمتوا وستكون الأوضاع منفلتة يصعب على أي حكومة السيطرة عليها”، وتابع “الناس لن يقبلوا وجود حميدتي وعبدالرحيم والمليشيا في المشهد بعد كل ما فعلوه ولن يقبلوا أيضاً وجود سلك والدقير وجماعة حزب الأمة هذه أمور مستفزة لو حاول أحد ما فرضها على السودانيين فإن الحرب القادمة ستكون شاملة”.