فيما أرى
عادل الباز
1
هو داء لا دواء له ولا شفاء منه إذا ما استطال زمانه أو داهمك فجأة (كما حدث للجنجويدى)، ولا يعرف الطب السياسي حتى الآن سببًا لذلك الداء. فمهما تقلبت الأحوال ووقعت الزلازل والأهوال، يظل هذا الداء ينخر جسد مرضاه، يقلق منامهم، ويحيل أحلامهم إلى كوابيس طيلة حياتهم.
خذ مثلًا حالة د. النور حمد نموذجًا. النور داهمه ذلك الداء وهو أستاذ في عز شبابه حين كان يعمل معلّمًا في دهاليز ثانوية خورطقت، ولا يزال يعاني منه وهو على مشارف الثمانين عامًا! سبب له ذلك الداء صرعًا فكريًا، ومعلوم أن مرضى الصرع الفكري تنتابهم نوبات مفاجئة. والنور تنتابه باستمرار مثل تلك النوبات، بل تكاد لا تتوقف في جميع حالاته. وما إن يحس بها، يبدأ في لعن “الإسلاميين” بلا سبب، ويهزأ بما يعرف وما لا يعرف.
كل شرور العالم، في نظر د. النور، سببها الإسلاميون. جميع هزائمه العامة وانكساراته الشخصية، وكل أمراضه الفكرية والنفسية، تعود إليهم. لا يعرف كيف يكتب حرفًا أو مقالًا إلا ويطل هذا الداء من بين السطور، سواء بوعي منه أو بدون وعي. لا يحلو له الحديث أو يروق له في أي شأن من شؤون السياسة أو الاجتماع أو الدين دون أن يذكرهم بكل سوء. لقد شكّل الإسلاميون مدار حياته الفارغة؛ يدور حولهم، إذ أن الصراع معهم يهب قيمة ومعنى لحياته.
إسهامات د. النور المعلومة تدور حول “مهارب المبدعين” وقصصهم، ثم انتقاداته للعقل الرعوي. والعجيب أنه حين جاء الراعي نفسه وارتكب بشاعاته ومارس فوضاه في المدن والقرى واغتصب وقتل واحتل المنازل، حمل د. النور طبلاً أجوف للدفاع عنه
ليس للنور هدف في الحياة سوى هزيمة الإسلاميين، بالحق والباطل. وأعتقد أنه – والله أعلم – سيموت وجسده وفكره معتلان بهذا الداء. لكم أنا حزين على د. النور، الذي أظلم فجأة. فقد كان فنانًا ومثقفًا، ومن المؤسف أن يرحل عن الدنيا مهزومًا، حاملًا كل غبائنه إلى الآخرة. فلا استطاع هو وأستاذه أن يقتلع الإسلاميين اقتلاعًا، ولا هو قادر على التعايش معهم. لقد أنفق عمره كله في صراع مع داء لعين. وأظن أنه حين يُسأل يوم السؤال العظيم: “فيما أفنيت عمرك؟” ستكون إجابته مختصرة: “اعتنقت الرسالة الثانية في صباي، وقضيت كهولتي وشيخوختي في لعن الإسلاميين.”يا مرحى! أسأل الله أن يمد في عمر د. النور وان ينعم عليه بسربال العافيه وان يعيده كما كان انساناً جميلا ومحبا للحياة وللفن واتمنى ألا يكون د. النور من الأخسرين أعمالًا، الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
2
أما رشا عوض وأم سلمة الصادق المهدي، فأسأل الله لهما طول العمر. لقد أصيبتا بهذا الداء في عمر باكر، وهما الآن على أبواب الستين . (معقول يا رشا! كبرتي واتبهدلتي، وعندك ستين بس؟).
هما في نفس حالة النور، وإن كانت حالتهما تثير الرثاء والعطف أكثر. فعلى ركاكة كتابتهما وسخف مواقفهما، تمتعان بكراهية غير مسبوقة وسط الشعب (مبروك، تستاهلن!). أتوقع أن تقضيا بقية عمريهما في معاضلة ذلك الداء، وسترحلان عن الفانية قبل أن تفشيا غبائنهما على الإسلاميين، والله أعلم.
3
ما ذكرني بذلك الداء والنماذج التي ذكرتها أعلاه هو خطاب الجنجويدي الأخير. هذا الجنجويدي وُلد وصُنع وتربى في أحضان الإسلاميين، ولم يُعرف عنه أي عداء أيديولوجي (أنا قلت أيديولوجي.. غلطان؟) أو سياسي أو مالي أو عسكري أو قبائلي أو أي نوع من الخلاف، ناهيك عن الصراعات!!
هذا الجنجويدي فجأة أصيب بداء العداء للإسلاميين. ظهرت عليه الأعراض منذ أن علّقت تلك اللافتة في أعلى كبري النفق، وأوهموه أنه “الضكران الخوف الكيزان”. كبرت الحكاية في رأسه، وتم تغذية حالته تلك بمقولات الإسلام السياسي والكيزان (بكسر الكاف) التي لا يفقه عنها شيئًا. ثم أركبوه موجة العداء للإسلاميين وفق أهواء ورغبات الكفيل، كما وضعوا في فمه حديثًا عن الدولة المدنية وديمقراطية الضر !! وكل ذلك الهراء الذي لقّنوه له. باختصار، استحمروا الرجل تمامًا. فصدق الحكاية واستمر فيها حتى نقل العدوى – أو انتقلت إليه – من أخيه عبد الرحيم، الذي كان قد أخذها باكرًا من ياسر عرمان، المصاب القديم والأشهر بذلك الداء!
4
في خطاب الجنجويدي الأخير، كان 50% منه عن الإسلاميين، والـ50% الأخرى طربقة ساكت. إحدى عشرة إفادة كاملة في الخطاب حول الإسلاميين، مما يشير إلى تمكن الداء اللعين منه. إليكم الإفادات:
نحن نقاتل كتائب الحركة الإسلامية، والجيش حُسم منذ الأسابيع الأولى في الحرب.
مليشيا البرهان ترفض السلام لأنه يمنع عودة الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني للسلطة.
المقاومة الشعبية هي للحركة الإسلامية، والحرب ليست لها علاقة بالكرامة.
الحركة الإسلامية تدير المجلس العسكري والمعركة الآن.
مليشيا البرهان تخطط لاستبدال الجيش بهيئة العمليات تحت السيطرة الكاملة للحركة الإسلامية.
الحركة الإسلامية نجحت في خطة تقديم البرهان للسلطة وفض الاعتصام.
الحركة الإسلامية تدير المجلس العسكري والمعركة الآن.
إذا كان المجتمع الدولي يريد عودة الإسلاميين، كان عليه عدم المواصلة في الاتفاق الإطاري.
الحركة الإسلامية نجحت في خطة تقديم البرهان للسلطة وفض الاعتصام.
جبريل إبراهيم لص وحرامي وكوز، ومكانه الطبيعي وسط مجرمي الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني.
شمس الدين كباشي أقر في المنامة أمام سبع دول بقيادة الحركة الإسلامية للحرب ضد قوات الدعم السريع.
أرأيتم كيف تمكن هذا الداء الذي ليس له دواء في وعي هذا الجنجويدي ولا وعيه؟ متمرد لا يعرف من يقاتل، ويتوهم أشباحًا للإسلاميين تقاتله. يرى بعينيه آلاف الشباب النضر من كل القبائل والإثنيات والتيارات السياسية يقاتلون جنجويده في الشوارع والأزقة، لكنه لا يرى إلا بعبع الإسلاميين!
حتى المجتمع الدولي بما في ذلك الرباعية المتآمرة، تحوّل في نظره إلى مجتمع كيزاني، مما استدعى مهاجمته!
لماذا هذا الرعب والخوف من الإسلاميين، بينما المليشيات التابعة له تعجّ بالإسلاميين (كيزان أصليين) يحيطون به إحاطة الكدمول بالرؤوس هؤلاء يقاتلون معه الآن، ويتحدثون باسمه في الفضائيات، وهم مستشاروه المقربون! هل يا ترى لم يرَهم؟ أم أن الإسلامي إذا لبس الكدمول وانخرط في مليشياته انتفت عنه الكوزنة، كما فعل حلفاؤه في “تقدّم” حين نزعوا عن علي الحاج الكوزنة بعد أن رضِي أن يركب معهم في طرورة الإطاري؟
5
هذه ليست أجندة الجنجويدي، ولكنها أجندة الكفيل أولًا، فهو يهرف بها ليعطي مبررًا سخيفًا لحربه ومطامعه في السلطة، ويضمن استمرار دعم الكفيل. وهي أيضًا عدوى أصابته أثناء متاهته في دهاليز “قحت” مع ياسر وخالد، ثم تحوّلت حالته إلى ورم خبيث سيقضي على جسده المثخن بالجراح والهزائم، كما سيقضي على الخبائث التي أطلقها في البلد. فيتوقف نهر الجنون الجنجويدي الذي دمّر بلادنا.