محمد ميرغني أحمد
بما أن تصوري للحرب -وهو تصور مبني على جبال من التقارير والأدلة والمشاهدات الموثوقة- هو أنها حرب يخوضها الجيش السوداني ضد مليشيا قوامها مرتزقة جلهم أجانب و مدفوعة بأجندات أجنبية وإستخباراتية دولية غايتها تسييل مؤسسات الدولة وتهديد مواطنيها وجوديا وإستبدالهم إثنيا وبتمويل أجنبي لا محدود.
بما أن تصوري للحرب قائم على تلك الوقائع والحقائق والحيثيات فمسألة التخوف من الدور السياسي للجيش مستقبلا أو حتى راهنا هو مسألة ثانوية أو تخوف ثانوي غير ذات أهمية في سياق إتخاذي لقرار الإنحياز للجيش من عدمه
فحاليا في ظل الخطر الوجودي المحدق بنا كسودانيين من غير المعقول كأمة مهددة وجوديا بالفناء أن ينحصر تخوفنا الأساسي في أن منقذنا الوحيد المحتمل قد يكون -أو مؤكد- أن لديه أجندات للهيمنة السياسية مستقبلا مما يدفعنا للتردد في الإصطفاف معه بسبب ذلك.
هذه بلاهة تفضي للهلاك.
وحتى لو هيمنته مستقبلا من الممكن أن تسفر عن إنتاج ذات المعاناة مستقبلا؛ فإن الغريق لايملك رفاهية هذا التفكير الذي يجعله يجازف بإستعداء منقذه بسبب إحتمالية تكرار منقذه هذا لخطأ يدفع اليوم هذا المنقذ ثمنه غاليا؛ فالواقع لا يسمح له بهذا النمط من التفكير وهو مهدد بالفناء ومشرد ومحتل.
كل أماني السودانيين وأشواقهم اليوم هي أن يحرر الجيش مناطقهم ليرجعوا إلى منازلهم؛ لذلك معظمهم إنحازوا بكل واقعية وعملية للجيش.
وهذا بالرغم من أن معظم النخبة الديسمبرية التي كانت قبل الحرب تمتلك مفاتيح تشكيل الرأي العام السياسي ومفاتيح السوشيال ميديا وقفت ضد الجيش إما عن طريق الإنحياز للمليشيا بشكل مباشر أو عن طريق رفض محاربتها والمطالبة بالتفاوض معها
و تحت ذريعة السلام وبإسم الحياد الزائف إنخرطت تلك النخبة في حملة إعلامية شرسة كانت غايتها تصدير مبدأ المساواة بين الجيش والمليشيا للرأي العام المحلي والدولي.
لكن اليوم تجاوزهم الشعب وقرر أن يختار الوقوف والإنحياز لجيشه والإصطفاف معه والرهان عليه، وهذا طبيعي جدا طالما أن مناطق سيطرة جيشهم على العكس من مناطق سيطرة المليشيا: يتوافر فيها الحد الأدنى من الأمن والإستقرار والمؤسسات الخدمية.
مما يؤكد أن غالبية النخبة لازالت تسجن وعيها في منطقة زمنية تجاوزها الواقع والتاريخ، وأعني الحقبة الديسمبرية وشعاراتها:
إذ كيف يعود العسكر للثكنات في ظل حرب وإحتلال أجنبي لبلدهم!؟
وحيث أن أولوية السودانيين حاليا هي القضاء على الخطر الوجودي الجنجويدي الذي يهددهم وجوديا؛ وليس الدولة المدنية الديموقراطية؛ فالجيش بدون دولة مدنية وديموقراطية ضمن لهم في مناطق سيطرته مقومات الحد الأدنى للحياة؛ فالسودانيون كغرقى في دوامة العنف الجنجويدي والة قتله الجبارة مسلطة على رقابهم ليس لديهم الان من أولوية سوى التعلق بجيشهم على علاته وبغض النظر عن العاقبة والتي -ووفق أسوء الإحتمالات- ستكون قطعا أفضل من التفاوض مع قتلتهم ومغتصبيهم ومحتلي بيوتهم حول نصيبهم في السلطة والثروة والسلاح.