بقلم: يندجريه تشيريب
لماذا المدينة تحت الحصار؟
تمت محاصرة مدينة الفاشر في أبريل 2024 من قبل قوات الدعم السريع، وهي طرف في الحرب الأهلية السودانية. تسعى هذه القوات إلى توطيد سلطتها في غرب السودان، لا سيما في إقليم دارفور. وتُعد الفاشر العاصمة التاريخية لدارفور وآخر مدينة كبرى في الإقليم خارج سيطرة الدعم السريع. تأمل المليشيات أن يقربها ذلك من الحصول على اعتراف دولي بـ”حكومتها”، على غرار الإدارة الفعلية للجنرال خليفة حفتر في شرق ليبيا.
كما تسعى هذه القوات إلى هزيمة الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني (القوات المسلحة السودانية)، التي تدافع عن نفسها داخل المدينة، إلى جانب قوات “التحالف المشترك” المكوّنة من مقاتلين متمردين سابقين من دارفور. وقد كبّدت هذه القواتُ الدعم السريع خسائر فادحة وربطت أعداداً كبيرة من مقاتليها (تشبه الهجمات على الفاشر هجمات روسيا على مدينة باخموت في أوكرانيا)، مما أضعف المجموعة بشكل كبير.
عند مطلع سبتمبر، أوقف سلاح الجو السوداني تقدم قوات الدعم السريع. وفي الوقت ذاته، شنّت القوات الحكومية في شمال كردفان (على بُعد 600 كم من الفاشر) هجوماً على الدعم السريع بهدف فك الحصار، لكن القتال قد يستمر أشهراً طويلة، وقد فشلت محاولات مماثلة سابقاً.
ما هو الوضع في الفاشر؟
على مدى أكثر من 500 يوم، شنّت قوات الدعم السريع ما لا يقل عن 230 هجوماً على الفاشر، دمّرت خلالها كامل البنية التحتية الطبية للمدينة. والمدينة مقطوعة عن الإمدادات وتحت قصف مدفعي وضربات مسيّرات متواصلة. وتمتلك قوات الدعم السريع أسلحة متطورة مضادة للطائرات تعيق محاولات الجيش السوداني إسقاط المؤن جواً، فيما يحاول الجيش تدمير هذه الأسلحة عبر الطائرات المسيّرة.
وفي أبريل 2024، اجتاحت قوات الدعم السريع مخيم زمزم للنازحين الملاصق للفاشر ودمّرته، مما تسبب في نزوح نحو 400 ألف شخص. وتقدّر اليونيسف أن نحو 260 ألف مدني، بينهم 120 ألف طفل، ما زالوا داخل الفاشر. نفدت المؤن الغذائية وساد الجوع، إذ اضطر السكان في الأسابيع الأخيرة إلى أكل أعلاف الحيوانات المتبقية.
المدافعون عن المدينة، ومن بينهم نساء حملن السلاح لتجنب الاغتصاب، يدركون أن الجيش السوداني يفتقر للقوة والعزيمة لرفع الحصار. في المقابل، تتلقى قوات الدعم السريع إمدادات بالسلاح والمرتزقة (من كولومبيا مثلاً) بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد سيطرت هذه القوات في الأسابيع الأخيرة على عدة أحياء داخل المدينة واقتربت من مقر قيادة الفرقة السادسة.
ما الذي يشير إلى خطر الإبادة الجماعية؟
يتحدّر مقاتلو الدعم السريع في غالبيتهم من قبائل عربية رعوية على الحدود السودانية–التشادية، ويتبنون أيديولوجيا متطرفة تقوم على التفوق العرقي على السكان الأفارقة الأصليين. وهدفهم إحداث تغيير ديموغرافي بإقصاء المجموعات غير العربية من دارفور.
ففي عام 2023، ارتكبوا مجازر بحق شعب المساليت في الجنينة، قتلوا خلالها – وفقاً للأمم المتحدة – ما بين 10,000 و15,000 شخص، واعتبرتها الحكومة الأميركية إبادة جماعية. ولا يخفي أفراد الدعم السريع نيتهم ارتكاب مجزرة في الفاشر، وهي مدينة متعددة الأعراق تضم عدداً كبيراً من قبيلة الزغاوة التي يعتبرونها معادية، لكون أبرز المجموعات المسلحة الموالية للحكومة في المنطقة تتكوّن منها.
وبإحساس بالإفلات من العقاب، يوثق قادة ومسلحو الدعم السريع جرائمهم وينشرونها، مثل القتل على أساس عرقي للمدنيين الفارين أو الذين يحملون مواد غذائية. وقد حاولوا في مناسبات عدة قطع مصدر المياه الرئيسي عن المدينة. وفي الأسابيع الأخيرة، بدأوا في بناء حزام من المتاريس الترابية حول المدينة لمنع المدنيين والمدافعين من الفرار عند سقوط الدفاعات، وهو ما يزيد الخطر على السكان.
ما الذي يمكن فعله لتجنب الإبادة؟
ظل مجلس الأمن الدولي يتلقى تقارير منتظمة عن الوضع في الفاشر، بفضل لجنة خبراء. وفي مايو 2024، حذر السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة ووزير الخارجية البريطاني من احتمال وقوع مجزرة واسعة. وفي 13 يونيو، اعتمد مجلس الأمن أول قرار يدعو قوات الدعم السريع إلى رفع الحصار عن الفاشر. وفي سبتمبر 2024، أعلن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية أن الاتحاد “لن يقف متفرجاً على إبادة جماعية جديدة”، وفي أغسطس 2025 دعا الاتحاد الإفريقي إلى إنهاء الحصار. لكن هذه التصريحات لم تغيّر شيئاً على الأرض.
الخطوة الأكثر تأثيراً قد تكون ممارسة ضغط حاسم على الإمارات العربية المتحدة، الدولة الوحيدة التي تملك نفوذاً فعلياً على الدعم السريع، لكنها تُعد شريكاً استراتيجياً ومستثمراً مهماً بالنسبة للغرب. وتتيح الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة فرصة لتشكيل تحالف واسع حول هذه القضية. ويمكن أن يسهم ذلك أيضاً في فرض هدنة إنسانية لإيصال المساعدات الغذائية إلى المدينة، وهو ما فشل حتى الآن (إذ تم تدمير قافلة برنامج الغذاء العالمي في يونيو قبل وصولها إلى الفاشر).
كما يتعين تفعيل الآليات التي سمحت لليونيسف بإيصال المساعدات إلى مدينة الدلنج المحاصرة من قبل الدعم السريع في 24 أغسطس. وعلى المجتمع الدولي أيضاً أن يستعد لسيناريو انهيار دفاعات الفاشر. في هذه الحالة، لن يكون أمام المدنيين سوى ممر إنساني تحت حماية دولية نحو مدينة طويلة (على بُعد 60 كم)، التي تسيطر عليها قوات أعلنت حيادها في الحرب وتستضيف مئات الآلاف من النازحين بالفعل.
وعلى المدى المتوسط، من الضروري كذلك تعطيل خطوط إمداد الدعم السريع، والتي تشمل سلطات الإمارات وليبيا الشرقية وبونتلاند في الصومال وجنوب السودان. وسيدعم هذا الهدفَ اعتمادُ الكونغرس الأميركي مقترحاً لوضع قوات الدعم السريع على قائمة التنظيمات الإرهابية الدولية، وهو اقتراح طُرح مؤخراً.
