جدل تعيين أمين عام مجلس الوزراء: بين الكفاءة والتجديد في الخدمة المدنية السودانية

تقرير/ منذر عثمان/ محرر الذكاء الاصطناعى

لم يمر قرار رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس بتعيين السفير علي حميدة أمينًا عامًا لمجلس الوزراء دون ضجة؛ إذ سرعان ما تحوّل إلى محور نقاش حاد في الأوساط السياسية والإدارية، بين من اعتبره خطوة إصلاحية لتجديد الدماء في الجهاز التنفيذي، ومن وصفه بأنه سابقة خطيرة تنسف تقاليد الخدمة المدنية الراسخة.

ثقل المنصب وأهمية التقليد الإداري

يُنظر إلى منصب الأمين العام لمجلس الوزراء باعتباره العمود الفقري للخدمة المدنية السودانية. فهو المسؤول عن ضبط شؤون التعيينات والترقيات، وحفظ مداولات المجلس، والإشراف على لوائح الخدمة. ويقول الخبير الإداري د. محمد الأمين إن المنصب “يوازي في أهميته كبار وكلاء الوزارات، ولا يمكن شغله إلا عبر خبرة طويلة في الجهاز التنفيذي”.

على مدى عقود، ظل المنصب محصنًا من التدخلات السياسية، حيث شغله موظفون متدرجون من داخل الأمانة العامة، أبرزهم عثمان حسين الذي أمضى 44 عامًا في خدمة الدولة حتى تقاعده العام الماضي.

جدل المحسوبية والدفعات

انتقادات لاذعة رافقت تعيين حميدة، أبرزها ما كتبه الصحفي أسامة عبد الماجد الذي وصف القرار بـ”المحاباة الوقحة”، معتبرًا أن التعيين جاء نتيجة صلة شخصية بين السفير الجديد ومستشار رئيس الوزراء بدر الدين الجعيفري. ويضيف عبد الماجد: “إنها المرة الأولى التي يُكسر فيها تقليد مهني راسخ لصالح صداقة وزمالة”.

ويخشى المنتقدون أن يقود القرار إلى “فوضى وترهل” في مؤسسة حساسة تحتاج إلى الانضباط لا التجريب.

رد الحكومة: تجديد الدماء لا كسر التقاليد

في مواجهة هذه الانتقادات، يؤكد مكتب رئيس الوزراء أن التعيين يستهدف “إحداث توازن بين الخبرة المتراكمة والطاقة الجديدة”، مشددًا على أن السفير حميدة “يمتلك خبرة دبلوماسية دولية تؤهله لتطوير أداء الأمانة”.

ويقول مسؤول حكومي – فضّل حجب اسمه – إن “المرحلة التي يمر بها السودان تتطلب كفاءات ذات علاقات دولية وخبرات خارجية، لأن الملف الإداري لم يعد محليًا فحسب بل متداخلًا مع التزامات دولية كبرى”.

دروس من الداخل والخارج

ليست هذه المرة الأولى التي تثير فيها التعيينات جدلاً في السودان. ففي عهد الرئيس الأسبق عمر البشير، أُلغي قرار بتعيين أمين عام للضرائب بعد 24 ساعة فقط من صدوره، نتيجة ضغوط داخلية حول شرعية المنصب. كما تراجع رئيس الوزراء السابق بكري حسن صالح عن تعيين وزير بعد جدل حول شهاداته الأكاديمية.

وعلى الصعيد الدولي، تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العام الماضي عن قرار تعيين رئيس جديد لجهاز الأمن الداخلي “الشاباك”، بعد أن أثار الجدل خلال 24 ساعة فقط من الإعلان عنه.

إلى أين؟

يرى مراقبون أن قضية تعيين الأمين العام لمجلس الوزراء تتجاوز شخص السفير حميدة نفسه، لتطرح أسئلة أعمق حول إدارة الدولة السودانية في مرحلة انتقالية صعبة. فبينما يطالب كثيرون بالتمسك بتقاليد الخدمة المدنية الصارمة، يرى آخرون أن التجديد والانفتاح على خبرات جديدة قد يكون ضرورة تفرضها ظروف ما بعد الحرب.

ويؤكد الخبير السياسي البروفيسور حسن حاج علي أن “الاختبار الحقيقي يكمن في قدرة الحكومة على الموازنة بين الكفاءة المؤسسية ومتطلبات الإصلاح”، محذرًا من أن “أي انحياز صارخ للمحاباة قد يفقد الدولة ما تبقى لها من شرعية مؤسسية”.

الخلاصة

يبقى تعيين السفير علي حميدة نقطة اشتباك بين رؤيتين: واحدة تدعو للحفاظ على صرامة التقاليد الإدارية، وأخرى ترى في التجديد فرصة لمواكبة المرحلة. وبين الرؤيتين، يقف مصير الخدمة المدنية السودانية على المحك، في وقت أحوج ما تكون فيه البلاد إلى مؤسسات قوية وشفافة تعيد ثقة المواطن بالدولة.

Exit mobile version